كثيرة هي تلك الأشياء التي لا تقبل أنصاف الحلول ولا ينبغي التردد فيها، تكون بين ضدين لا وسطية بينهما، كالوطن، والعرض، والشرف.
اما سواد أو بياض لا رمادي بينهما، ولا مكان للمدعين بها، ولا مكان للنأي بالنفس كما يدعي مرضى النفوس، فهي أشياء وجدت اما لتكون أو لا تكون.
اشياء لا يحبذ الجدل والتحيز لأي طرف من اطرافها، اشياء من شأنها الإساءة والتغرير والتخريب وزعزعة أمن واستقرار وطننا الحبيب الكويت.
فمن منا لا يعرف قصة نابليون؟ عندما أتاه احد الخونة الذين خانوا بلادهم ما أدى لانتصار نابليون فقال لهم: أعطوه بعض المال، وعندما أراد ذلك الخائن مصافحة نابليون رفض نابليون رفضا قاطعا، وقال جملته الشهيرة «انا لا أصافح الخونة»!
كما ان هناك ملكا من ملوك انجلترا أتاه احد الخونة اثناء الحرب، والذي وشى بأصحابه وغدر بهم، فقام الملك بإعطائه بعض المال، وعندما طلب هذا الخائن ان يتم إلحاقه بالجيش، رفضه الملك وقال له اذهب فكيف تريدنا أن ندخل إلى جيشنا من خان أصحابه؟ وسأل هتلر من هم احقر الناس في نظرك؟ اجاب قائلا: اولئك الذين قابلتهم في حياتي والذين ساعدوني على احتلال أوطانهم!
الوطن لا ينحصر في عقيدة أو مذهب، الوطن ليس شركة تجارية أو مؤسسة، الوطن ليس طائفة أو عشيرة، الوطن ليس كذبة أو نصبة، الوطن هو الهوية والكرامة، والأمن والأمان والحرية، الوطن هو الدين والأخلاق والقيم.
فعندما تصدر احكام من قضاء الكويت العادل، المحترم، النزيه، وعندما يجتهد رجال الأمن في الداخلية في محاربة تلك الفئة الضالة ومحاربة الارهاب بكل انواعه ومحاربة الفكر المؤدي إليه، لا يعني ابدا أنهم يحملون تفرقة مذهبية أو عنصرية لأحد.
فقد حاربوا من ذي قبل فئات اخرى بكل قوة وصرامة وحزم، ولم يكن الأمر مذهبيا أو عنصريا أيضا.
هناك لحظات لا تقبل الصمت والحياد ولا تقبل الدفاع والتحيز إلى جانب المخطئين، لأن الدفاع والتحيز فيها اقرب إلى التواطؤ، كما ان هناك أمورا ساطعة في وضوحها لا مجال بها لأي التباس أو سوء فهم أو تدليس.
إن ردود الافعال الصادمة من قبل البعض التي تتخلى عن المصلحة الوطنية تؤدي في النهاية إلى غياب الروادع الوطنية والكوابح الاخلاقية، وعندها يتجرأ كل خائن على التنكيل والتخريب بكل ما يتعلق بأمن وطنه، ويصبح كل شيء في نظره مباحا ومتاحا.
إننا أمام لحظة حقيقية صادقة وجدية مع الذات، لحظة يجب علينا من خلالها ان نسهم في إعادة رسم معنى الكويت وتحديد هويتها التي دافع عنها رجال من مختلف مناطق الوطن وقواه وطوائفه، وضحوا من أجلها بحياتهم.
نحن الآن في اختبار وطني عسير من يرسب فيه لن يصحو أبدا من سباته حتى النهاية.