يقال: «ان الله إذا أراد أن يهلك النملة وهبها جناحين» فعندما تطير وتغرها مباهج الدنيا، تصبح مزعجة جدا، فتسحق سحقا عظيما فتنهشم ومن ثم تفقد قيمتها، ولو بعد حين، فليتنا نتعظ ونأخذ العبرة ممن سبقونا، ليتنا نندم ونستغفر، ليتنا نتعلم، فهناك أسرار لا تعرف خوافيها الأيام.
والدنيا تدور فلا تتعلق بأذيالها، ولا تجعلها تلهيك بمفاتنها، فما هي إلا امتحان ودار بلاء، (فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور.. فاطر 5)، لا يغرك مالك او منصبك او مكانتك، ولا يأخذك الاشتطاط القوي والاستهجان، وتسلط عنجهيتك وغرورك على بني جنسك، وكأنك ملكت الأرض وما عليها، فكل ما تفعله اليوم، سيكون رصيدا لك في الغد، أو رصيدا قد يدفع ثمنه أبناؤك، ولا تهرول في إطلاق تلك «الأحكام الشمولية» على بعض الظروف او غيرها من الأمور، وتكون من الشامتين المستهزئين.
«فقل للشامتين بنا أفيقوا.. سيلقى الشامتون كما لقينا»
من ثم تزداد سخطا وعنادا، وتطلق العنان لشر نفسك، وتأخذك غفلتك إلى نشوة السعادة والفرح المذموم، بمشاكل وبلايا الآخرين، مدججا بكل شيء، وتكشف عن ذلك الطلاء الأسود الذي كنت تغطي به وجهك.
فلا حصانة لك تمتلكها، تحميك من تقلبات هذا القدر واحداثه الفجائية، التي قد تصدمنا احيانا كثيرة وتؤذينا، ذلك فقط لأنك كنت شخصا ذاهلا، وعن نفسك غائبا، أعمتك البغضاء، والدنيا غرتك.
فيستحيل ان يكون هناك إنسان واع، عاقل، يربط بهجته ومصدر سعادته بذلك البلاء، الذي قد ينزله الله سبحانه وتعالى على غيره، إلا اذا كان مجردا من الضمير الإنساني، وغارقا في سبات عميق.
وان ظن بأن له الاحقية في ذلك، ليسوغ له الرقص على ألم وجراح ومصائب غيره من الناس، فهو مخطئ بلا شك، قال ابن مسعود رضي الله عنه: «والله لو أن أحدا عير رجلا رضع من كلبة لرضع هو من كلبة»، فيجب علينا حماية انفسنا بما قد تجلبه لنا من تجرؤوها على غيرها ومن شماتتها، ثم من تلك الانكسارات التي قد تتلوها، فإنه «يمهل ولا يهمل»، كما يجب علينا ايضا الا نغفل عن ضبط افكارنا بين الحين والآخر، لنراجع حساباتنا، ونعيد ترتيباتنا، ونصلح ما نستطيع اصلاحه من سريرتنا، لنتخلص من تلك المشاعر الخبيثة، والتي بها قد تقتل انسانيتنا.
فمن منا لم يوضع بموقف لا يحسد عليه؟ لكن، يفترض ان بمواقفنا تلك وبمعاناتنا، ان نرتقي اكثر، ان نهذب انفسنا، ونخرج منها ظافرين بما كتبه الله علينا، لنشعر بمعاناة الآخرين ونترفق بمن حولنا، لا لكي نزداد غضبا وحنقا، ونعيب ونعاير غيرنا، فقط لكي نشعر بالتساوي ويرتاح ضميرنا، فذلك لن يزيدنا إلا سوءا وفقدا وخسارة.
ونحن كبشر، يستحيل ان نستشعر سعادتنا التامة، ما لم يحدث ذلك التناغم والتوافق بين باطن الانسان وظاهره، وسريرته وعلانيته، وضميره وأفعاله.