كثيرا ما يؤوّل كلامك عكس ما كنت تقصد، وتفسر تصرفاتك عكس ما تهدف إليها، خاصة مع أولئك اصحاب الأحكام الجائرة المجحفة، الذين ضاقوا بأنفسهم وبالناس، أولئك الذين لا يفهمون إلا بعقولهم الجامدة.
أشخاص مزعجون، متعبون، سيئو الطباع، تشعر وانت معهم بأنك فقدت سعادتك، وثقتك وفقدت حتى حيويتك، وستجد أن الانسحاب هو افضل وسيلة سليمة، تجنبك الكثير من حالات الانفعال والتوتر والغضب منهم.
كما ستخلصك ايضا من رؤيتهم الخاصة، والتي يرونك بها من خلال زاويتهم الضيقة، رغم انهم لا يعرفون عنك إلا اليسير من الحقائق، والجزء الغالب في محض الغيب.
فحاول من باب التذاكي وليس من باب التظاهر، ان ترى في كل شيء اوجهه المتعددة، بعيدا عن اليأس والاحباط.
وتماسك وتحلّ بالتوازن السلوكي والنفسي الذي تحلى به رسول لله صلى الله عليه وسلم، والصحابة الكرام، فهناك اشخاص كثر في حياتنا يكونون كالألغاز الصعبة، لا يمكنك فك شفرتهم مهما حاولت، ينظرون إليك دائما من برج عال، برج لا يرون فيه إلا انفسهم، ليثبتوا لك أكثر، من خلال تصرفاتهم تلك، بأنه لا شيء يستحق ان تجتر مشاعر البؤس واللوم وجلد الذات تجاههم.
(جلد الذات) ذلك المصطلح الذي اشتهر عند الغرب بمعناه «self_flagellation» وانتقل منهم إلينا، بمعنى التكفير عن خطايا صحيحة أو خاطئة، حيث تستباح به الكرامات والمعنويات، ثم تنقلك إلى العزلة والإحساس بالفشل والاكتئاب، على اشياء قد لم ترتكبها.
فسوف تكتشف مع مرور الأيام، أن هناك رسائل كثيرة لها معان كبيرة، في كل ما يحصل معك، رسائل تعرج عليك في خطى ثابتة لا صوت لها ولا حروف، لم تكن مجرد تحصيل حاصل، او بمحض الصدفة، لكنها رسائل تلمح لك بشيء ما، هذا الشيء اما ان يكون محسوسا ملموسا، او شيئا يكون موجودا بداخلك، يتردد عليك ويحاوطك.
رسائل، تنتشلك من بحر الظنون الهائج، الذي اغرقت به نفسك، رسائل تعلمك وتوعيك حول اعتقاداتك، وكثرة تساؤلاتك واحتمالاتك، بمن اقتنع ومن لم يقتنع بك، وبمن يريدك ومن تنكر منك.
(فكل اناء بما فيه ينضح)، والاناء الذي امتلأ بتصيد سلبياتك فقط، لا يمكن ان يفيض تجاهك إلا بالمشاعر السلبية القاسية، والتي ستؤكد لك اكثر بأن اغلب من يخالجك الشعور تجاههم، هم اساسا كالجليد، لا يصدر عنهم سوى بخار غير مرئي يظهر بشكل متلاش امامك، بخار اظهر عيوبهم وجعلهم يصغرون في نظرك، مثلما صغرتهم مواقفهم وتصرفاتهم معك.
ما يجبرك على تغيير وتجديد ذهنك الداخلي، دون الالتفات لهم، دون ان ترهق نفسك اكثر في مجاراتهم، فلن تقف حياتك ابدا على وجودهم.
يقول الشاعر العباسي ابن الرومي:
ستألف فقدان الذي قد فقدته كإلفك وجدان الذي أنت واجد
فالله وحده عالم بنوايانا، ووحده ضميرنا قادر على معرفتنا، وهذا بحد ذاته يكفينا ويغنينا، بخلاف اننا اصبحنا نعيش في زمن اختلف كل ما فيه، زمن اختلف بمفرداته، بخصوصياته، بدلالاته، اختلف حتى بمعانيه، زمن لا يشبه ابدا ما كنا نعيشه بالأمس من عشرات السنين، جعلنا نعجز عن التمييز ما بين الخائف علينا والمتشفي فينا، زمن المثل الانسانية فيه فنيت مآربها كما قال «الامام الشافعي» رحمه الله.
نعم قد نحزن، ننزعج بعض الشيء وننجرح، في بادئ الأمر، لكن ما يستحق الحزن حقا في زمننا هذا، هو ضياعنا لأنفسنا.
فقط، قليلا من استيعاب المواقف، وقليلا من الادراك، كفيل براحتنا وفرحتنا، فحسابات الكثير من البشر تختلف عن حساباتنا واهتماماتنا.
يقول الأديب مصطفى المنفلوطي رحمه الله:
(وما السعادة في الدنيا، إلا لمحات البرق، تخفق حينا بعد حين في ظلمات الشقاء، فمن لا يرى تلك الظلمات لا يراها). وجوهر الحياة يكمن، في تعايشنا مع اضدادها.