ما أكثر الكلمات، التي كانت تتردد
على مسامعنا، لم تفارقنا، ولن ننساها
أبدا، بقدر ما ارتوينا منها وتشبعنا، وبكثر
ما خنقتنا صمتا واوجعتنا، فشتتنا
وخلفتنا وذوقتنا الويل، من ثم بعثرتنا.
كلمات عدة وتصرفات مختلفة،
لو نطقنا بها لأهتزت عروش
وظهرت عروش.
وحدت صمتنا، وزرعت رغبة جامحة
وسط ضجيج افكارنا، التي عشعشت
في حنايا أرواحنا، مثلما تعشعش الطيور
في تجاويف الشجر، من اولئك الذين
أغرقونا بكلمات، مغايرة جدا
لتصرفاتهم معنا.
فظلت حبيسة فؤادنا وجوارحنا،
نراها بأعيننا التي تنزف بأشياء لم
نستطع البوح بها.
نتساءل ونبحث عن اسباب تقنعنا،
لنشفي غليل قلبنا الخفاق ومضجعنا،
بعدما تعرت بشكل جلي، ملامحهم
المناقضة والنقيصة أمامنا.
فنقول:هل واجب علينا أن نستمر بفرض ذاتنا
عليهم؟، وهل نحن ملزمون بأن نتخلى عن كرامتنا
لأجلهم؟، هل نسكت ونتحلى بسعة الصدر؟
ونرهق اعصابنا، ونعكر مزاجنا، فقط
لنكون معهم، ونعيش في عالمهم؟
ذلك العالم الضبابي، والذي غالبا
ما يضيعنا وينهكنا !
والأهم من ذلك،
هل هم يستحقون أن ندوس على أنفسنا،
ونجبر ذواتنا على أشياء غير محببة بالنسبة لنا، فقط لنرضيهم ونسايرهم؟
طبعا لا، لأننا كثيرا ما ابتسمنا في وجوههم
المغبرة وجاملناهم، إلى أن لسعتنا موجات الحزن، وارتسمت علينا آثار عميق الألم منهم.
لا، بسبب تجاربنا ومحاولاتنا الفاشلة
التي حدثت في الماضي معهم لنا،
وبسبب ردود أفعالهم، التي دائما ما
تأتينا عكس ما تصورنا وتخيلنا.
فأولئك مثبطون، بجيحون، وقحون،
يستحيل أن يقدروا، فسرعان ما تجدهم يجازون احترامك السخي ولينك معهم،
بكمية كبيرة من الوقاحة والتجاهل وانعدام
الذوق معك، بخلاف انهم يعيشونك
بأبشع شعور، فيكسرون شيئا كبيرا
بداخلك.
ففي جميع علاقاتنا، إن ساد عنصر
الفظاظة، والتجاهل، وعدم الاحترام،
ستجلب لنا الكثير من المتاعب والاوهام.
وسيبدو مزريا مظهرنا، وسترتسم علامات الحسرة والندم على وجهنا، ان استمررنا في إرغام أنفسنا على ثقل وطأتهم
وحقارتهم معنا.
كم هو مؤلم أن نجلب ذلك الاضطراب
والتشويش الذهني لنا، وكم هو رائع
لو كنا أقوى، وخلعنا ذلك التجهم
والتكشير، واستبدلناه بابتسامة
حقيقية، مشبعة بالغبطة والجذل.
فنحن ندين فقط، للشخص الذي بجميل العبارات وبطيب
الكلام حاورنا، واهتم لأمرنا مراعيا جدا
لظروفنا ومشاعرنا، ويسعى دائما لإدخال
البهجة إلى قلوبنا.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«الناس معادن كمعادن الفضة والذهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف».