أحيانا الشعور بالإرهاق النفسي، يفقدنا حيويتنا ويدفعنا إلى الانكماش والتحفظ، رغم يقيننا التام بأن ذاك الذي يحرك الكون في مساره، هو الباري سبحانه وتعالى، ووحده الذي يسمعنا وان رفض الكون أن يسعنا، وبالأخص حينما تحدث بعض الأمور لنا، تجعلنا من الصعب أن نتمسك بزمامها.
كوقوع عاقبة نجد صعوبة بإيجاد تفسيرات لها، أو أفكار مؤرقة، أو قلق مفرط غير متوازن، على اثره نفتقد اكبر الدوافع التحفيزية الداخلية لدينا، فنتأرجح بين الوهن والإخفاق والعجز، كما سنعيش بشكل مهترئ، نتاج تراكمات كثيرة وقديمة.
تشعر وكأنك في غرفة مظلمة لا تعرف أولها، من آخرها، كونك مستمرا في كبتك لتلك المشاعر، خلف ابتسامة عفوية رنانة، لكنها زائفة، وكأنك وتقول، وماذا بعد؟!
وفي هذه الأثناء، ستتقبل أنت كل ما يأتيك، سيئا كان أو حسنا، وكأنك في غيبوبة تخدير، لم يعد هناك ما يفرق معك، أو بمعنى أصح لم يعد هناك ما يهمك بتاتا، ما جعل كل شيء بالنسبة لك، بدا ضائعا أمامك.
إلى أن تأتي بك، موجة سطحية صغيرة، لكنها عاصفة، برغم صغرها إلا أنها تصحيك من غيبوبتك، وتهيج أعصابك وأوجاعك وتهيجك، فتصبح كالقشة التي قصمت ظهر الجمل..
موجة صغيرة، وقد يراها الجميع أنها لا تستحق، لكنها حفرت أثرا حادا فاصلا فيك، ذلك طبعا لأنك عند الموجات العميقة الكبيرة سكت وكتمت..
فتلك القشة ليست هي من قصمتك بالفعل، بل كثرة الأحمال الثقيلة وزيادتها عليك، هي من جعلتك تنهك فلم تحتملها.
فحين صرخ الناس على صاحب الجمل بالتوقف عن تحميل الأمتعة على ظهره، ما جعل الجمل يهتز من كثرتها، إلا انه استمر دون أدنى مبالاة غير مهتم، وقال هذه خفيفة وهي آخر المتاع، إلا ان تلك الخفيفة هي التي أردته أرضا.
(وهنا تكمن خلاصة الموقف)، فحين كنت أنت ساكتا كثيرا وواجما، فلابد أن هناك لحظة، ستأتيك بقبس يشعلك، ولا شيء حينها يستطع أن يطفئك.
نعم قد يقصمك، لكن، في ذات الوقت سينتشلك، وسيحافظ عليك وعلى توازنك، وان خضت وتعمقت بتلك الصراعات والاستقطابات التي تتمدد كالأوعية الدموية بداخلك.
الا أنها ستغيرك، وستجعلك تضع أفكارك، اعتقاداتك، ونظرياتك جانبا، وتفتح قلبك وعقلك بصورة أوسع لتواجه مخاوفك، وشيئا فشيئا ستعتاد أن تكون أكثر قدرة على تحمل مشاكلك، وستصبح جادا، صارما، متحكما بمشاعرك.
بخلاف انك ستستبدل أفكارك القديمة، بأفكار ذات طابع فلسفي جميل، مليء بالحب والحكمة، أفكار ستحياها بعيدا عن كل الاعتبارات والمحسوبية المقيتة، ستحياها متحصنا بدرع ضد كل ما يقلقك ويربكك.