كلانا كبشر نفتقر لشيء لم نجده، وشيء قد نستمر ساعيين في البحث عنه لنصل إليه.
واحيانا، بالصحبة الطيبة مع الأصدقاء والأبناء والأحباء، وبالمداراة، وبالتقدير والمراعاة، وحسن الأخلاق، قد نشعر بأننا اجتزنا ثلاثة أرباع ذلك الشيء الذي نفتقده، من بعد الباري سبحانه وتعالى.
لأن وحدهم هؤلاء الذين يكونون معنا، ولا يستغنون عنا، يزرعون الثقة فينا وان فقدناها مرارا وتكرارا، ومن جديد يعيدونها لنا، ووحدهم هم من يشدون أزرنا في ضعفنا، وبحب لا بخبث ينصحوننا، يدفعوننا إلى الأمام، ويتمنون الأفضل لنا.
لأنهم مقتنعون قناعة تامة بنا، قناعة تتوافق تلقائيا مع مشاعرهم، لا مع مصالحهم ومزاجيتهم، وهذا هو وحده القاسم المشترك بينهم وبيننا.
يجبروننا على محبتهم، وعدم التفريط فيهم، لما لهم من تأثير رائع جميل على أدمغتنا وحياتنا، فبنية صافية، وبقلب وفي حنون ينظرون لذواتنا، فتزداد روعة أيامنا وروعتنا.
يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه:
لا تحرموا الإنسان من تخيلاته، لا تدمروا خرافاته، لا تخبروه الحقيقة، لأنه لن يتمكن من العيش من خلال الحقيقة
ففعلا، أحيانا تكون الحقيقة مرة وصعب جدا أن نستسيغها ونستوعبها، لأنها تجعلنا نعيش في حالة من الخدر والخداع، فنحاول تجاوزها، بضحكتنا وبجنوننا، بمسايرتنا وبتحملنا وصبرنا، نحاول الهروب فيها حتى من أنفسنا.
بعيدا عن أولئك الذين لا يملكون سوى اللوم، التحبيط، التوبيخ، الذي بشكل دائم، يقدمونه على طبق من ذهب لنا، وكالند بعناد يقفون ضدنا.
فلكل واحد منا طابع، اهتمامات، هوايات، احتياجات، يشعر بسعادة عارمة، واعتزاز كبير بها، فلماذا نكذب على واقعنا، ونصدم تاريخ عمرنا، ونتخلى عنها، ونجعل ثغور من لا يستحق مفتوحة ومكسورة فينا، لنعطي مجالا دون ان ندرك لكل (ساقط ولاقط) ودنيء نفس للنفاذ منها، ونهتم بهم ولأجلهم، ونلتفت لآرائهم ونحجمهم اكبر من حجمهم، وفي المقابل هم ينتظرون فقط سقوطنا وانكسارنا، وحتى لو اخطأنا وزللنا، لن يغفروا لنا، بل ويتركون وراءهم جراحا تتلوها غصات، من الصعب التئامها.
الحياة، عبارة عن (مواقف، مشاعر، أحاسيس صادقة)، عبارة عن (شحذ القوة، القضاء على الكآبة، الابتعاد عن الأفكار السلبية وعمن يجلبها لنا). فجميعنا، نحتاج لأشخاص يأتون لقتل ما في داخلنا من رتابة وملل، يمتصون غضبنا، أشخاص يتقبلوننا كما نحن، وبدعمهم الجلي، نتحلى بقوتنا وندير إرادتنا.
أشخاص، يشاركوننا حتى لحظات جنوننا، أملنا، يأسنا، يشاركوننا حزننا، سعادتنا، ويملأون فراغنا.
لا أن يلعبوا دور البطولة علينا، وبالشك وبالاستخفاف وبالكآبة يملأون قلوبنا، فقط لأنهم فئة ترسخ لديهم شعور، بأن هناك عيبا كبيرا، يمنعهم من تلقي الحب والشفافية، والمدح والثناء، لذا تجد ردود أفعالهم دائما متخبطة، متضاربة.