كوني سنيا سلفيا أستسقي فكري ومنهجي الديني من أئمة أهل السنة وعلى رأسهم شيخ الإسلام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله، الذي أشرف بأنني وهو من أسرة واحدة، لذلك أعتقد أنني أكون على طرف النقيض من مذهب الإمام السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله على مقياس الفرقة التي عصفت ومازالت تعصف بالأمة الإسلامية المشتتة على كل حال، لكنني أرغب في أن أسجل هذه الشهادة لهذا الرجل رحمه الله.
فقد عاش السيد فضل الله منذ نعومة أظفاره وحتى توفاه الله رجلا يجمع بين المسلمين ويصلح ذات بينهم عبر كثير من الأمور، فلم يكن رحمه الله فظا ولا غليظ القلب ولا سليط اللسان على من يخالفه سواء من أهل السنة أو من أتباع أهل البيت، بل ساهم في العديد من المساهمات التي كان لها وقع السحر على الأمة الإسلامية جمعاء، فلقد تناول قضايا لطالما اعتبرها الشيعة من المسلمات في مذهبهم فأنكر مسألة كسر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه ضلع فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين رضي الله عنها وصلى الله وسلم على أبيها، وهو من حرم أي فتنة بين أهل السنة والشيعة، وهو من فتح موائد الإفطار الرمضانية أمام جماعة المسلمين بشقيها السنة والشيعة، وهو الذي أوجد أسسا للتقريب بين السنة والشيعة، وهو نبراس مستنير ودليل عجيب وحجة واضحة وقوة راسخة وعلامة واضحة في جبين الأمة الإسلامية.
وبوفاته فقدنا نحن أهل السنة ذلك الملاذ المقرب وتلك الشخصية المجمعة التي كنا ننظر اليها بعين الحب والاحترام حتى ولو اختلفنا معه، لكننا كنا نعلم ماهية هذا الرجل الرمز، لقد فقدنا صوت العقل بلا ريب وفكر الحكمة التي كان فضل الله يسبح ويعوم في بحورها، ولا أعتقد أن مثل هذا الرجل نجده اليوم في ثنايا هذا التمزق والتشتت الذي تعيشه الأمة الإسلامية فقد كان فضل الله رجلا يتوافق عليه جميع أطياف المسلمين بشتى مذاهبهم ومشاربهم.
وبموته علينا أن نعتبر ونمتثل بما بشر به هذا الرجل وهو التقريب بين أمة الإسلام الناطقين بالشهادتين أصحاب القبلة الواحدة، وبموته يجب أن نتوقف كثيرا على ماذا قال وفيم أفنى عمره رحمه الله، فتماما حين كان موت الحسين بن علي رضي الله عنهما عبرة للمسلمين يجب أن يكون بوفاة فضل الله اعتبار وعظة، فالأول خرج وقتل ليوحد بين صفوف المسلمين، والثاني عاش ومات على نفس السبب والمنهج والطريق فما بال هذا التاريخ يجدد نفسه، فيا فضل الله من قلب مؤمن أدعو لك رب البرية أن يتغمد روحك في رضوان منه ورحمة ونسأل الله أن يواسينا نحن أهل السنة على رحيلك.
[email protected]