فايز النشوان
في الواقع إن الحوار هو الأساس في نقل المعلومة وشرح الرأي، وكذلك هو المنطلق الذي يتم الاستناد عليه في النقد البناء والنافع، وبما أن العقل البشري لا يصل إلى درجة الكمال، فالحوار هنا يوجد نوعا من التكامل بين العقول البشرية لتصل إلى رأي سديد ونتيجة مرضية خصوصا عند السياسيين وأصحاب الرأي والفكر، وكم من حوار استوحيت منه أفكار ناجعة سارت عليها أمم، فما العصف الذهني إلا حوار في حوار يوصل المتحاورين إلى نقاط التقاء يرتكز عليها الجميع للانطلاق بمشروع ما، هو أساس التحاور.
غير أننا وكما يبدو نفتقد إلى أسس الحوار في الكويت وبلا شك يتبين هذا جليا في جلسات مجلس الأمة التي تفتقد إلى أهم ركيزة للحوار ألا وهي احترام الرأي الآخر وعدم تسفيهه أو تسطيحه، ولك أن تحضر أي جلسة من جلسات مجلس الأمة لترى بعينيك مدى الهرج والمرج الذي يحدث حين يشتد النقاش على أي موضوع ولأي سبب تجد الصراخ يحل محل الهدوء والتصادم يحل محل التفاهم ولا تخرج من الجلسة إلا ورأسك يوجعك من كثرة الصراخ وقلبك يؤلمك على المستوى الذي وصلنا إليه في مجلس يمثل نواب الأمة ليكون هذا حوارهم وهذا أسلوبهم في نقل وجهات نظرهم.
لا شك أننا نحتاج إلى الحوار دائما حتى مع أعدائنا لنفهم ماذا لديهم ولنؤكد على ما نعتقد ولنتفكر فيما يقولون حتى يزيدنا كلامهم تثبيتا على ما نؤمن به من أفكار، والتفكر هو أمر رباني أمر به الله سبحانه وتعالى حين قال في محكم كتابه (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)، وهنا نشير إلى أن ثقافة الحوار لا تنتهي عند حد ما، فحتى من لا يستطيع أن يحاور وتجده يحاول مصادرة حقك في الرأي ويسفه قولك أو يقولك ما لم تقله لا يجب هنا على المحاور أن ينجرف معه إلى المستوى الذي يصل إليه، فالحكمة هنا توجب الارتكاز إلى ما قاله الإمام علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) حين قال «كم عالم غلبته وكم جاهل غلبني» ويقصد الإمام هنا بالغلبة للجاهل ليست لأن الجاهل امتلك الحجة على الإمام علي كلا، وإنما تستدعي الحكمة حين يرى المحاور الراقي من المحاور الذي أمامه إنه لا يمتلك أي أساس أو إطار للحوار أن ينتهي عن محاورته ويدعه ينتصر عليه فما انتصاره إلا باطل، ونتذكر قول الله تعالى (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) فلا حوار مع جاهل ولا نقاش مع متعصب ولا رأي مع المعارض من أجل المعارضة.
في النهاية نحن بحاجة إلى أن نرجع إلى الركيزة الإسلامية الصحيحة في التحاور التي علمنا إياها خير البشر والمرسلين نبي الأمة ( صلى الله عليه وسلم ) الذي كان يفسح المجال للتحاور مع الكفار الصناديد ويرد عليهم بكل حكمة ولم يكن كلامه فظا أو غليظا أو متعاليا أو مكابرا بل كان واسع الصدر رحب الخاطر، بل انه كان يسمح للكافر أن يدلوا بدلوه حتى ينتهي دون أن يقاطعه ثم يرد عليه وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فبرسولك يا أمة الاسلام اقتدي وعلى أساس ما سنه سيري.