فايز النشوان
انشغال الجميع في هذه المرحلة الصعبة بالكتابة عن أحوال اقتصادنا المحلي بل والعالمي نتيجة دخول هذا الأخير إلى حالة انكماش وركود وسير نحو المجهول وانصباب الكل أخيرا في التحدث إما في السياسة أو الاقتصاد وكأن الدنيا إما هذه أو تلك، أشغلهم ذلك عن حدث هام حصل في الأيام القليلة السابقة في الجزء الآخر من العالم وبالتحديد في مدينة نيويورك الأميركية في مبنى الأمم المتحدة وبالتحديد انعقاد المؤتمر العالمي لحوار الأديان الذي شارك فيه أكثر من 50 رئيس دولة وحكومة بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ولا شك كان لصاحب السمو الأمير كلمة كانت نبراسا منيرا لجميع من تابع أحداث هذا المؤتمر الضخم في حجمه من حيث الحضور والمحتوى والتوقيت وبالطبع أهميته من حيث الموضوع نفسه، فكانت كلمة سموه أشبه بخارطة طريق دلت الجميع على الأساس الصحيح والنهج الصريح لتبني فكر السلام والتسامح وتقبل الغير بكل محبة وسلام تماما كما دعا إلى ذلك ديننا الحنيف.
إن الحالة التي يعيشها البعض من ازدراء أي دين أو مذهب أو معتقد يختلف معه، هي حالة مرضية لا شك تستوجب التوقف عندها ومحاولة علاجها بالحوار ووضع النقاط على الحروف ومحاولة الوصول لنقاط التقاء ترتقي بالجميع دون أن يكون أحد مخطئا فيما يعتقد أو يكون دين هذا مزيفا أو مذهب ذاك مبتدعا، فلماذا علينا نحن البشر أن نتقاطع في حوارنا الديني أو المذهبي في حين انه من الممكن أن نسير في خطين متوازيين فيستفيد كل منا من الآخر ويحب كل منا الآخر ويستمتع جميعنا بسلام ومحبة دون الحاجة لزرع الكراهية ضد أي دين بعينه أو مذهب بصفته، ولو آمن الجميع بما قاله رب العزة جل وعلا في محكم كتابه حين قال (لكم دينكم ولي دين) لتوصلت البشرية جمعاء إلى نتيجة مهمة مفادها ان الخصومة لا تصح في نشر الدين ناهيك عن ازدراء الأديان أو احتقارها لنشر الدين أو التعريف به، بل إن الله تعالى علمنا كيف نتحاور بسلام مع الأديان الأخرى حين ذكر في محكم التنزيل (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء) والنداء هنا بتعالوا لهو أبرز دليل على نهج الإسلام في التحاور مع الأديان دون التصادم معها، بل يحثنا الله جل وعلا على التفكر في نقاط التلاقي لا الخلاف في حوارنا مع الأديان حين ذكر «تعالوا إلى كلمة سواء» أي تعالوا لنلتقي في نقطة التقارب لا التصادم لنتفق ونحترم بعضنا بعضا، وهو المبدأ نفسه الذي يجب أن يسير عليه مختلفو المذاهب في التحاور أو التعايش.
ومن منا لا يعلم ان الأديان لا يمثلها أتباعها، فهم قد يخطئون أو يسيئون فهم دينهم أو مذهبهم فينعكس ذلك سلبا عليهم لا على دينهم أو مذهبهم الذي يتبعونه، فلا يوجد دين يدعو للشر والكراهية بل إن صفة الدين لا تطلق على اعتقاد يدعو للرذيلة أو الكراهية أو الدمار، وما الدين في اللغة إلا معتقد يدعو إلى الفضيلة والخير والتحكم في النفس وربطها أخلاقيا بصفات حميدة ويبشر بوجود اله خلق هذا الكون فيدين له الناس بالولاء والطاعة واتباع تعليماته، ولا يرتبط الدين أو المذهب بحكم دنيوي أو سلطة سياسية بذاتها، بل متصل بصفة ربانية تعلو على أن تكون تابعة إلى تنظيم أو حزب بعينه.
ولأننا مسلمون فنحن معنيون أكثر من غيرنا بنشر التعاليم الصحيحة لديننا الإسلامي وبهويتنا الإسلامية التي ربطها البعض بالإرهاب والكراهية والاستبداد ورفض الآخر وتوضيح اننا دعاة سلم وسلام واننا ننشر الحب وندعو إلى الفضيلة ولم نكن يوما نرفض الآخر أو نحتقره بل حين كنا نحكم نصف كوكب الأرض لم نقتل طفلا ولا امرأة ولا شيخا ولم نقتلع شجرة ولم نهدم كنيسة أو صومعة عابد وأمن من لاذ بهما لأنها تعاليم فرضها علينا رسول الرحمة ( صلى الله عليه وسلم ) علمنا إياها وأمرنا بها لتكون بصمتنا الإسلامية لتعرفنا بها بقية شعوب الأرض الذين كانوا يحرقون النسل والحرث في حروبهم في حين كنا نحن نثبت السلام وننشر المحبة ولا نفرض ديننا على أحد لأن قاعدتنا القرآنية تقول«لا إكراه في الدين».
مؤتمر السلام لحوار الأديان وان انتهى قبل أيام بتوصيات عظيمة تنبذ الكراهية وترفض القتل بسبب الدين، إلا اني آمل أن يكون هذا المؤتمر العالمي مقدمة لنشر بضاعتنا نحن أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لكي تعرف البشرية أننا دعاة سلام ومحبة بل إن تحيتنا تبدأ بالسلام ووداعنا ينتهي بالسلام، وهو مناسبة كذلك لنتفكر في أنفسنا وما نمتلك من قيم حميدة وتعاليم مجيدة جاء بها ديننا الحنيف الذي يحث على الحوار بين الأديان لا الصدام بينها وعلى محبة الجميع ورفض الظلم ونصرة المظلوم كائنا ما كان دينا أو مذهبا، وان اختلافنا في المعتقد الفكري أو الديني أو المذهبي لا يعني أن نكره أو نحتقر أو نشطب بعضنا البعض على الإطلاق بل يجب أن نوجد نقاط التقاء نرقى بها للعيش بسلام ومحبة، وهذا ما نحن في أمس حاجته في هذه الأيام الحبلى بالفتن الطائفية والصراعات الفكرية.