فايز النشوان
بعد تداعيات الأزمة السياسية الأخيرة التي شلت البلد سياسيا على الأقل دخلت في حوارات حادة مع العديد من المثقفين حول إشكالية الديموقراطية في الدول النامية ومدى مسؤوليتها في حالة الانكماش الاقتصادي وتدهور الوضع السياسي وتأجيج القبلية والمذهبية وعكس كل المبادئ التي جاءت من أجلها الديموقراطية الحقيقية والتي من أهمها صهر المجتمع المختلف في تكوينه بوطن واحد يسوده المساواة والعدل والتنمية، وبما أن الكويت تعتبر مثالا واضحا هذه الأيام لمدى الانعكاس السلبي للديموقراطية على الوضع السياسي والاستقرار الذي لم ننعم به منذ سنين بسبب التناحر بين السلطتين ودخول الجميع في أتون اختلافات حرب داحس والغبراء بالرغم من أن السواد الأعظم في الكويت لا ناقة له ولا جمل في حروب سياسية لا وصف لها إلا بالعشوائية، سألني الكثير من الأخوة حول سبب دفاعي المستميت عن الدستور ومجلس الأمة بالرغم من سلبيات هذا الأخير وتذمر الأغلبية من الوضع المأساوي الذي وصلنا إليه، سواء من ناحية انحدار الأداء البرلماني أو التصرفات الصبيانية لبعض النواب أو ضياع جلسات المجلس في نقاشات جانبية ليس لها أي من داع إلا تسجيل مواقف قد تكون ضيقة على حساب مواضيع مهمة تفيد المجتمع ولماذا لا أقتنع بفكرة سلطوية التنمية التي نجحت في بعض البلدان وقد تنجح في الكويت إذا صدقت النوايا في تحقيق التنمية.
السبب في استماتتي للدفاع عن الدستور ومجلس الأمة ورفضي لأي ممارسة خارج الدستور سواء بتعليق البرلمان أو إلغائه يكمن في أن سبب هذا الانحدار البرلماني الذي وصلنا إليه في رأيي ليس هذه المؤسسة الدستورية الشامخة التي أسسها لنا آباء عظماء رسخوا لنا مبدأ أن الأمة مصدر السلطات يكون المجلس صوت الشعب والجميع شركاء في الحكم باختلاف انتماءاتهم السياسية أو العرقية أو المذهبية، وإنما سبب هذا الانحدار المحزن حقيقة هو بعض الاخوة النواب الذين اجتهدوا فأخطأوا في طرحهم وسلوكهم وأدائهم بشكل عام، ويجب ألا نسقط فشل هؤلاء على هذه المؤسسة الدستورية التي كفلت للجميع ولأجيالنا القادمة حقها في المشاركة في الحكم.
كل التجارب أثبتت أن تبني فكرة سلطوية التنمية هي فاشلة على كل المقاييس، فأساس التنمية هو المواطن واذا كان هذا الأخير لا يستطيع أن يعبر عن رأيه بكل حرية ويكون شريكا في الحكم فلن تكون هناك تنمية، ولا يغرنكم تنمية الطابوق أو الأسواق فهي بالنهاية لا تعبر عن التنمية الحقيقة ناهيك عن كونها تنمية مؤقتة ومشروطة بمال أو بسلطة صارمة سواء داعمة أو حاكمة، وللمتشكك في رأيي هذا يستطيع أن يذهب للدول السلطوية التي تبنت تنمية الطابوق والأسواق ويرى وضع الحريات فيها ويتلمس مدى قدرة المواطن فيها على انتقاد موظف في جهاز أمني ويذهب إلى بيته لينام قرير العين دون زوار الليل، فهل نريد هذه التنمية التي لا نقدر فيها أن نقول رأيا أو ننتقد مسؤولا ونكتفي بالطابوق؟
ومضة: نحن في أيام مباركة على كل مسلم التفكر فيها والرجوع إلى نفسه ومحاسبتها قبل أن يحاسب عليها، فمن كان يقصد حجا فليتذكر أن الحج لم يفرض لممارسة شعيرة وإسقاط فرض فحسب، وإنما فرض لكي يدرك المرء أن مصيره إلى الله جل وعلا وأنه ملاقيه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى لله بقلب سليم وأن زاده عند ربه في دنياه وآخرته هو التقوى، ولم أجد أجزل ممن فسر التقوى مثل الإمام علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) حين وصف التقوى بأنها «الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل».