فايز النشوان
لا بأس بالاختلاف في أي نقاش قد يحتدم بيننا مادام النقاش مبنيا على احترام متبادل وبغية توضيح وجهات نظر مختلفة للأطراف المتناقشة، ولا بأس كذلك في نشر مقال نقدي شديد اللهجة ضد كائن من كان مادام في إطار النقد الأدبي والأخلاقي دون تصغير أو تحقير لأحد، ولا أرى بأسا من ألا يتعجب أي منا من مستوى هذي الصحيفة أو تلك سواء ادعاؤنا أنها تزيف الحقائق أو تدلس الوقائع أو حتى تهاجم شخصا نفضله ونقدره أو لغيره، وكذلك لا بأس أن تختار صحيفة لنفسها طريقا أو منهجا تدافع فيه عن وجهة نظرها أو موضوع خبرها في صفحتها الأولى الذي تتبناه في قضيتها المحورية سواء تجنيد محرريها أو كتابها فهذا أمر محسوم في النهاية لإنجاح الخبر.
كل ذلك نتقبله في مساحة الحرية التي منّ الله بها علينا في هذا الوطن الحبيب، لكن المشكلة تبدأ حين نفقد جزءا من أخلاقنا وموروثاتنا الإسلامية والعربية التي رسخها الآباء والأجداد في أذهاننا والمتمثلة في أن يحترم الصغير الكبير حتى لو تمادى، ويرحم الكبير الصغير حتى لو تهور، وهذا أمر إن فقدناه فقد هوينا وضعنا في خضم أمة لا يحترم صغيرها الكبير ولا يرحم كبيرها الصغير، وموضوع هذا المقال الذي حدت عنه قليلا في الحقيقة هو ذلك التصريح الإعلامي المؤسف الذي خرج قبل أيام قلائل من الاخوة في الحركة السلفية ضد الأخ النائب خالد السلطان بعد أن نقل عنه قوله لأحد محرري الزميلة «الراي» انهم يحتاجون عصا عبدالله الأحمد في إشارة غضب منه على الصحيفة، وقد أوّل الأمر أن السلطان يرغب في إرجاع الكويت إلى عصر ما قبل الدستور وما إلى ذلك، وسواء قال السلطان ذلك الكلام وهو يعنيه أو هي كلمة قيلت في إطار المداعبة «وهو ما اعتقده» أو غيره فهذا ليس بيت القصيد، فالمسألة محصورة في كلام قيل عن النائب الفاضل واحتسبته الصحيفة تهجما عليها وهو من حقها مادام لم يصدر بيان توضيحي من النائب السلطان يبين فيه للناس تفاصيل المسألة وقصده فيما نقل عنه.
لكن المحزن هو تصريح الحركة السلفية على لسان رئيس المكتب السياسي الأخ فهيد الهيلم وهو رجل فاضل نجيب، أحتسبه من خيار الشباب الكويتي ورجل عرفته جريئا، صاحب كلمة وحكمة، لكن يبدو أن جزءا كبيرا من الحكمة غاب عن تصريحه ضد السلطان الذي يكبره بأربعين عاما على الأقل حين وصف رجلا بعمر أبيه بالكذب وأن عليه أن يتعلم الأدب وبكلام في الواقع لا يمكن أن يقبل من رجل صاحب فكر إسلامي يعلم علم اليقين أن الله ما أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم إلا ليتمم مكارم الأخلاق التي غابت في تصريح الهيلم لنقد النائب خالد السلطان.
كان الأولى أن يكون تصريح الحركة السلفية أفضل من ذلك وأرقى كما تعودنا منهم ولو استعمل الهيلم في نقده للسلطان كلاما غمس في الأخلاق الإسلامية التي عرف بها الهيلم لكان أبلغ في المعنى وأجزل في التوضيح وكفاية للمسألة، فمن حق الحركة نقد السلطان على ما قيل عنه والتصدي له، لكن في إطار الأخلاق والمثل الإسلامية التي علمنا إياها خير البشر والمرسلين عليه أفضل الصلاة والتسليم، فهل يدفعنا الظهور على الصفحة الأولى للصحف إلى التفريط في أخلاقنا؟
أؤكد أنني لا أسلب حق الاخوة في الحركة السلفية في نقد السلطان أو غيره، لكني أنكر عليهم استخدامهم ألفاظا لا تخرج من أفواه رجال يعلمون أن للشيب وقارا وللعمر هيبة وان فلتر الرجل قبل أن يخرج كلاما منه خلقه كمسلم فالمرء في الأصل لا يعامل الناس بأخلاقهم بل بأخلاقه يعاملهم، وإني أجزم أن الإخوة في الحركة السلفية يعلمون أن الحق أحق أن يتبع، فلا بأس من اعتذار يخرج من الحركة للناس يعتذرون فيه على تصريحهم المؤسف فهذا أمر طيب ومن شيم وخطى وحراك السلف الصالح.