فايز النشوان
الأزمة العالمية التي يمر بها العالم بصفة عامة والكويت بصفة خاصة تجعلنا نفكر بعمق وروية في الأطروحات المدمرة التي يسوقها لنا الأخوة النواب الأفاضل الذين لا هم لبعضهم على ما يبدو إلا دغدغة مشاعر الناخبين وتقريب المصالح الشخصية الضيقة على المصلحة الوطنية الأعم، ومن أهم القضايا المطروحة حاليا مسألة مقترح شراء المديونيات والمقدم من بعض الأخوة النواب، وبالطبع نحن لا ننكر عليهم ما يقدمونه من مقترحات حتى لو وصل الأمر لتقديم مقترح تسخين مياه الخليج لتنظيفها من الشوائب البحرية، لكن ننكر على المطبلين وراء هذه المقترحات التي لا تعي الأزمة المرحلية التي تمر بها البلاد بل والدنيا بصفة عامة، وأصبح فيها «الكاش» عزيزا لا يقدر بثمن، في وقت لا هم لنا فيه إلا العبث بما هو لدينا من عزيز مالنا فقط لنرضي أفكارنا ومصالحنا الضيقة متناسين أن هذه أموال دولة قائمة، من الواجب على الجميع الحفاظ عليها بالغالي والنفيس.
وقد كنت أستبشر خيرا ببعض النواب الذين كانوا يرفضون هذا المقترح «شراء المديونيات»، محتجين بأنه مقترح لا يحقق العدالة للجميع، وعلى الرغم من أنني كنت أرد عليهم بأن العدالة المطلقة لا تتحقق إلا يوم القيامة ولا يحققها إلا الله عز وجل على عباده، وغير ذلك لا يوجد شيء في الدنيا اسمه عدالة مطلقة على كل الأحوال، ولكن لأنهم كانوا رافضين هذا المقترح كنت أراهم أفضل من غيرهم حتى تقدموا أخيرا بمقترح غريب عجيب لا يكون إلا من باب الترويج الإعلامي لحملة انتخابية قريبة لمقدمي المقترح، ويتلخص المقترح بتقديم قرض حسن بقيمة 10 آلاف دينار لكل كويتي بلغ الرشد من عمره!
لا أعرف لماذا ضحكت حتى القهقهة حين سمعت بهذا المقترح العجيب الغريب الذي سيكلف الدولة ما يقارب الـ 5 مليارات دينار في حين أن مقترح شراء المديونيات من المفترض أن تكون تكلفته أقل من نصف هذا المبلغ، والعجيب أن مروجيه قالوا إنه سيقدم كقرض حسن من الدولة للمواطن البالغ، وفي النهاية الدولة لن تخسر شيئا وسيحقق العدالة بين صفوف المواطنين، يا للعجب، هكذا نواب لا يستحقون مني إلا النظر إليهم بنظرة المتشائم للوضع الذي تمر به البلاد والعباد مع كل أسف في الحقيقة، فلو كان المقترح هو إجبار الحكومة على إنشاء مستشفى جديد في كل محافظة أي بواقع 6 مستشفيات في البلاد لرفعنا القبعات وقذفنا العقل احتراما لهذا المقترح الذي سيحقق بالفعل العدالة، بل لو كان المقترح هو إجبار الحكومة على تأسيس جامعتين حكوميتين خلال 4 سنوات لبكينا فرحة ولصرخنا بهجة، لكن أن يكون المقترح هو إفراغ خزينة الدولة من 5 مليارات دينار ونحن في أمس الحاجة لكل فلس في الخزينة فهذا والله لشيء محزن وأمر تقشعر له الأبدان ويندى له الجبين عرقا وكبدا.
في النهاية أود أن أوجه رسالتي لنواب الأمة أن يتقوا الله في شعب الكويت، فنحن بلد صغير في حجمه وإمكانياته لا يستوعب كل هذه الضجة والتناحر والتسابق في هدر المال العام هنا وهناك، وليعلم الجميع أن قانون الاستقرار المالي الذي سيمر في مجلس الأمة يوم الثلاثاء المقبل لا يعني أنه حبل إنقاذ للشركات والحيتان كما أسماهم البعض، بل هو قانون يرسخ الاستقرار المالي في البلاد ويرسخ استتباب الأمن الاقتصادي بالدولة، فكفى دغدغدة لمشاعر الناس يا نواب الأمة واعلموا أن الله ملاقيكم.