تنتاب أمتنا الإسلامية والعربية أزمات بين الحين والآخر، تتفاوت شدتها وقوتها وتأثيرها صعودا وهبوطا، وإيجابا وسلبا، فخارت قوانا، وأصبحنا شبه متفرقين، بعد أن ابتعدنا عن العقيدة والعادات والتقاليد التي كانت تجمعنا، وبتنا بلا هيبة.
نظم الشاعر أبو إسحاق الغزي بيتا قال فيه:
مالي أرى الشمع يبكي في مواقده
من حرقة النار أم من فرقة العسل؟
وبلغ هذا الخبر الشاعر صالح طه فقال على الفور:
من لم تجانسه فاحذر أن تجالسه
ما ضر بالشمع إلا صحبة الفتل
فالسبب لبكاء الشمع هو وجود شيء فيه ليس من جنسه، ألا وهو «الفتيل»، التي تحترق وتحرقه معها.
وهذا ينطبق على حالنا كأمة، فإن داءنا يأتي من داخلنا، وألمنا ينبع من أنفسنا، لأن فينا من ليس منا، يسعى في التفرقة، ويحاول بكل قوته وأفكاره تمزيق أوصال مودتنا، وأحبال اجتماعنا، وتآلفنا، وقد مكنه - مع الأسف - بعض منا في ذلك، وذلل له الصعاب.
إننا واثقون بأن من يريدون زرع الفتنة بين أبناء هذه الأوطان ويشعلون فتيل النيران من خلال دوافعهم واحقادهم ضد شعوب الخليج سيخيب الله دوافعهم ويرد كيدهم في نحورهم، فهو السميع العليم.
واعلموا يا أبناء وطني، أن العسر لن يدوم، والشدة لن تطول، وأن الليل يتبعه فجر، والصبر أجمل العبادات، والدعاء يسحق الهموم، فإذا قلت: يارب، فإما أن يلبي لك النداء، أو يدفع عنك البلاء، أو يكتب لك أجرا في الخفاء.
اللهم إنا نسألك فرجا قريبا، فيسر لنا كل خير يا الله، وكيف نقنط وأنت ربنا، وكيف نقلق وأنت حسبنا، وكلناك أمرنا، فلا تكلنا إلى أحد سواك يا الله، اللهم أعنا على ما نحن فيه وجنبنا ويلات الأمور التي تهدم البيوت والأوطان وتشتت الشعوب، فكم من ديار أهلكت كانت سائدة وأصبحت بائدة بجهل من أراد ضياع هذه الأمم، ولكن علينا أن نعتبر ونتعظ بالأمم التي سبقتنا بما حل بها بعد أن تولاها من عبث بها، فالجهلاء يتحدثون بما لا يعرفون وهذه طامة كبرى.
قال الأفوه الأزدي:
فينا معاشر لم يبنوا لقومهم
وإن بني قومهم ما أفسدوا عادوا
لا يرشدون ولن يرعوا لمرشدهم
فالغي منهم معا والجهل ميعاد
كانوا كمثل لقيم في عشيرته
إذ أهلكت بالذي قد قدمت عاد
أو بعده كقدار حين تابعه
على الغواية أقوام فقد بادوا
والبيت لا يبتنى إلا له عمد
ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فإن تجمع أوتاد وأعمدة
وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا
وإن تجمع أقوام ذوو حسب
اصطاد أمرهم بالرشد مصطاد
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
تلفى الأمور بأهل الرشد ما صلحت
فإن تولوا فبالأشرار تنقاد
إذا تولى سراة القوم أمرهم
نما على ذاك أمر القوم فازدادوا