إذا كان الإنسان يتأثر بالبيئة التي ولد فيها، ونشأ على ترابها، وعاش من خيراتها، فإن لهذه البيئة عليه (بما فيها من الكائنات، وما فيها من المكونات) حقوقا وواجبات كثيرة تتمثل في حقوق الأخوة، وحقوق الجوار، وحقوق القرابة، وغيرها من الحقوق الأخرى التي على الإنسان في أي زمان ومكان أن يراعيها وأن يؤديها على الوجه المطلوب وفاء وحبا منه لوطنه.
وإذا كانت حكمة الله تعالى قد قضت أن يستخلف الإنسان في هذه الأرض ليعمرها على هدى وبصيرة، وأن يستمتع بما فيها من الطيبات والزينة، لاسيما انها مسخرة له بكل ما فيها من خيرات ومعطيات، فإن حب الإنسان لوطنه، وحرصه على المحافظة عليه واغتنام خيراته، إنما هو تحقيق لمعنى الاستخلاف الذي قال فيه سبحانه وتعالى (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) سورة هود.
وواجب علينا الحرص على مد جسور المحبة والمودة مع أبناء الوطن في أي مكان منه لإيجاد جو من التآلف والتآخي والتآزر بين أعضائه الذين يمثلون في مجموعهم جسدا واحدا متماسكا في مواجهة الظروف المختلفة.
وكما يجب الإسهام الفاعل والإيجابي في كل ما من شأنه خدمة الوطن ورفعته سواء كان ذلك الإسهام قوليا أو عمليا أو فكريا، وفي أي مجال أو ميدان، لأن ذلك واجب الجميع، وهو أمر يعود عليهم بالنفع والفائدة على المستوى الفردي والاجتماعي. والتصدي لكل أمر يترتب عليه الإخلال بأمن وسلامة الوطن، والعمل على رد ذلك بمختلف الوسائل والإمكانات الممكنة والمتاحة.
وحب الوطن بمعانيه ومضامينه العظيمة بدلالاته النبيلة وابعادها العميقة هو ليس اقوالا وشعارات ترفع في الفراغ لتحقيق أهداف وغايات هي أبعد ما تكون عن السلوك والممارسة العملية الحقة المجسدة لهذا الحب في العقل والقلب.. في الوعي والوجدان بل ان هذا الحب ينشأ مع الإنسان من الصغر ويكبر معه قيما وأخلاقا متحولا من الأقوال إلى الأعمال متجليا في جهود وعطاءات حقيقية صادقة لخير الوطن ونمائه وبنائه وتطوره سياسيا واقتصاديا وثقافيا موحدا وديموقراطيا مستقرا وناهضا يمضي صوب غد أكثر تقدما ورقيا ينعم كل أبنائه برفاهية، هذا هو حب الوطن.
ومعلوم أن الشرع دعا إلى الإعمار، وإلى حفظ نظام الأمة واستقرارها، وإذا نحن نظرنا في موارد الشريعة الإسلامية الدالة على مقاصدها من التشريع استبان لنا من كليات دلائلها، أي من أهدافها العامة، وكذا من جزئياتها أن المقصد العام من التشريع فيها هو حفظ نظام الأمة، واستدامة صلاحه.
ولا شك أن من أعظم وسائل حفظ هذا النظام، واستدامة صلاحه، قوة الوازع الوطني، ومما قرره علماء الإسلام أن للوسيلة حكم الهدف منها، ومعنى ذلك أن كل وسيلة لا تتعارض مع الشرع وتوصلنا إلى تحقيق غاية من غاياته فإن الأخذ بها يصبح مستحبا إذا كانت تلك الغاية من المستحبات، أو واجبا إذا كانت تلك الغاية من الواجبات.