وقف، واستدار، يبحث عن لافتة إعلان، قديمة، كانت تشير لطريق يريد أن يقصده، كانت الأسئلة في مخيلته كلها تدور حول القريب، فالأقرب، لم يسمح لنظره بإبصار ما هو ابعد، فضل طريقه، عن الاتجاه الأسهل.
أصيب احدهم بالتهاب في الجلد، وظل حبيس الفراش لأيام، لا يخرج من المنزل ابدا، شخص لنفسه مرض خطير، وقرر ان يتعايش مع الحقيقة، المظلمة، التي لا يراها الا هو، ولم يعط لنفسه، ولو لحظة ليتأكد من هذا التشخيص، ان كان فعلا صحيحا، استغرق الصراع اياما، بين مخاوف لا تجعله ينام، وأفكار سوداوية، تتحدث معه طوال الليل والنهار، وبدأ بالفعل جسمه، يستجيب لهذه الحقيقة، فتحول الامر من طفح جلدي بسيط، لالتهاب في الاذن اليسرى، وتوالت الاعراض الصحية بالاستياء، فشعر انه بالفعل مريض، وحين زادت عليه، فكر في الحل الذي كان لابد من اختياره مبكرا، وتوفير المعاناة على جسده، وبعد محاولات جسيمة لإقناع نفسه، ذهب للتشخيص، وكان السبب بسيطا، فوجد الابتسامة ترتسم على وجه الدكتور، اشفاقا على حالة الهلع التي كان يعانيها وعند خروجه، وجد الحياة اجمل وابسط، وانتبه لأول مرة لسطوع الشمس على الزجاج، وتبلوره لأشعة فياضة، وعرف ان هناك الكثير من الأشياء الجيدة، كانت غائبة عن ذهنه، ولم يعطها ولو قليلا من وقته، فالحياة تحتاج لان نبصرها كل يوم بعين جديدة لنتغلب على ما فيها، المخاوف هي التي صورت له ان الحياة انتهت، وان الحقيقة الوحيدة هي التي نصنعها بأيدينا، حين نصاب بالذعر نحن نخبر اجسامنا انها بحالة خطر، فتمتثل لما نقوله، فالله خلقنا روحا وجسدا، وإن اصيبت الروح بالإعياء، فالجسد يفقد مناعته في حمايتنا، فلنراع ما نقول لأنفسنا، لأنه الحقيقة التي تطول معنا.
عاد لمنزله الذي تركه قبل ساعات، ولحياته التي انقطع عنها طوال هذه الفترة، فقد كان صعب المراس، مزاجي السلوك، وجهه متجهم لكل من يراه، وعقله يمرر عليه في الدقيقة مئات من الافكار السوداوية، هو الآن ادرك ان كل ما عاشه كان خياره، فنحن بيدينا ان نقرر، صحتنا النفسية والجسدية بصورة ذهنية.
ارتاد عيادتي مريض بالوسواس القهري، تحولت حياته من شخص ناجح بكل المقاييس، الكل يتحدث اليه، إلى شخص يتحدث عنه الجميع، فمريض الوسواس القهري، انسان ذكي وحساس ومنجز، فغالبا حين نحقق ما نريد، يصبح هناك فراغ، ان لم تملؤه بانتظام بالانشغال بالمفيد، اصبح يستحوذ عليك اثرا وتأثيرا، يدخلك في منطقة الامان، حتى منك ينال.
الوسواس القهري فكرة تبرمج حياتك، على ما هو ليس موجودا، وتعطل انجازاتك في اليوم تظل لأيام وشهور فيها، وربما طوال حياتك منعزلا عن ذاتك.
من خلال حديثه، وجدت ان مشكلته بدأت بتحميل نفسه عناء، ان يكون مثاليا في كل شيء، حتى وجد نفسه تشعر بالتوتر، ان تخلى عن نظام معين ففقد المتعة والاستمتاع في اللحظة الى التدقيق والمراقبة، يوما بعد يوم اصبحت المقاييس ترتفع والانسجام مع نفسه يقل، حتى اصبح يشعر انه مضطهد، وليس امامه خيار سوى ان يمتثل لهذه الأفكار.
حين يقل مستوى البهجة في حياتنا ويكثر الروتين في عاداتنا، نصبح عرضة للوسواس بشكل كبير.
قد تبدأ فكرة بالإلحاح عليك وبث التصورات عما ستكون عليه، كيفية استجابتك تخلق استمراريتها من عدمها، يكفي ألا تقاوم ولا تنفعل، بل تحاول ان تنشغل بفكرة جديدة، أنت المتحكم بما تراه فيها، حين لا يكون لدى عقلك خارطة طريق، بما لابد ان تقوم فيه، ستجعل اتفه الامور تستحوذ عليك، وتصبح مع التكرار لها وجود وجذور، بين ما في يديك، وفي الأعماق.
لا تخجل من نفسك، ان كنت تعاني من اضطراب الوسواس القهري، او اي مرض نفسي، فاعترافك بالمشكلة والحديث عنها هو نصف الطريق لحلها.