المشهد الأول: على طاولة الاجتماع موظف خريج جديد، يدلي بفكرته التي يملؤها الحماس، يتحدث بشغف عن هدفه الذي يراه، والمشروع الذي يقترحه على رئيسه في العمل، ثم يأتيه رد بارد يملؤه التقليل، وما يحركه انه يرى نفسه فوق الجميع، ثوانٍ من الصمت تعم المكان، ويتسلل الإحباط لطموح الموظف الجديد، ثم يسلم نفسه للروتين، ومن ثم التقصير.
المشهد الثاني: مسؤول يضع الخبرات، شرطا في إعلان التوظيف، ومتخرج حديث يرى انه ما زال لديه الكثير ليعطيه، لكن شرط الخبرة يقف عائقا أمام أحلامه وطموحاته.
ثم يعين موظف من الخارج، ونجد فيه الثقة، والاختلاف، والتميز، حتى قبل أن نرى عمله، نبصم عليه بالعشرة، ولو فكرنا قليلا، لوجدنا أننا من فضلنا الغريب على ابن البلد الأولى بأخذ الفرص.
كم من المشاهد اليومية تتكرر، وتصب في التقليل من كل جديد، وكل مواطن بالدرجة الأولى، وتعليل ذلك بعدم المعرفة، أو قلة الخبرة، أو توقع النتائج السلبية منه، والحكم عليه بالفشل قبل اعطائه الفرص، نجهز الأحكام في حقه، ونصادر رأيه، من الطبيعي ان يجد نفسه وسط اهله غريبا، وان تبرد عزيمته، وتحبط همته، لو جعلنا اذننا تصغى، لوجدنا ان الطموح ما سكن إنسانا الا وعمر بنيانا من التفوق، والتميز، والاجتهاد، فلماذا نكسر مجاديف الكوادر الوطنية حديثة التخرج، ونقف عثرة في طريق نجاحها، ونخرس أصوات التجدد بداخلها، ونرفض الاعتياد، والرغبة في التجربة، وإثبات الذات، لماذا كل مسؤول يمر عليه الوقت، يعطي لنفسه الحق في انه يعرف اكثر ممن اقل منه رتبة أو مدة ويرفض ان يسمعه؟! المعرفة لا تقاس بعدد السنوات بل بمدى ثبات فعالية كل قرار، وتطوره بما يناسب احتياج الأفراد في كل الأوقات، وهذا لا يتم الا بدمج الدماء الجديدة، وتخصيص الوقت والجهد لان نرى ما عندهم من جديد، وما في عقليتهم من تجديد، لنؤسس عملا متكاملا أكثر من سعينا لان يكون كاملا، فالتركيز على الكمال يجعل الإلزام يقتل روح الإبداع، والمشي على نفس النهج لسنوات، يورث عقلية منغلقة، ترفض التغيير، مما يؤدي لنقص الخدمة، وعدم مواكبة التطور، فيضعف الإنتاج ويصبح هناك باب للفساد الإداري.
صوتنا اليوم لا بد ان يضم أصواتا جديدة، نعطيها الفرصة، والثقة، لتبني مستقبلا واعدا، وتجعل الوطن في اعلى المراتب.
نحن بحاجة للتطوير على جميع الأصعدة، لو فتح كل مسؤول باب مكتبه للموظف الجديد، وانصت لما يقترحه، لبث بداخله روح التنافس، وحب العمل، وذلك أول أسباب النجاح، ان يسمح الإنسان لمخيلته، وعقله ان يفكر، ويحلق دون قيود، فينتج عنه ان يكون شخصا مسؤولا، يتحلى بالإصرار، لإثبات ذاته في مجاله.
حين يكون الصوت الذي نسمعه، بجانب صوتنا هو صوت الآخر، سنعرف كيف نسلم الراية لمن بعدنا، بضمير مرتاح، فالكوادر الوطنية الجديدة بعد مرور سنوات ستصبح مكاننا، وستكون خبرتها نتاج خبراتنا معها، فتصبح فعالة في صناعة القرار الذي يسهم في صلاح، وإصلاح البلاد.
الغريب مهما مر عليه الوقت، ومهما حظي بالفرص، واتكلنا عليه، ومنحناه الصلاحيات، فسيعود بخبراته لوطنه، اما ابن البلد فهو الذي سيبقى لها، بذور تثمر بأرضها، وتسقي بمحبتها كل عطاء لوطنها، فلنمنح ابناءنا في جميع المؤسسات الوطنية، فرصة صناعة القرار، وتقديم مشاريعهم، وافكارهم كاقتراح، وتخصيص جوائز، وترقيات لكل موظف مجتهد في عمله. حين نسمع من القديم، والجديد سنكون خبرات على مر الزمان، تكتب بماء الذهب كل إنجاز للبلاد.
@Dr_ghaziotaibi