حدثني منذ أيام صديق لي، يعاني ابنه من تقلب المزاج، فتحدث عما يفعله من إزعاج، وما يصدر عنه من أخطاء، وحين تطرقت لردة فعله على ذلك، أجاب: أمنع عنه ما يحب، وأعاقبه على الفور.
هذا أكبر خطأ نقترفه بحق أبنائنا، فالعقاب بالحرمان يولد في النفس أزمة نفسية يصعب علاجها مع الزمان، تضاعف من أي ردة فعل مستقبلية، وتضع الفرد في خانة الشعور بالذنب، حتى لو لم يفعل شيئا.
استطرد صديقي في حديثه يخبرني عن نشاط ابنه السابق، وعن إيجابيته، ويستغرب من تحوله المفاجئ، وهذا خطأ، فحين نجعل الابن يشعر بأنه كان في السابق أفضل، سيفقد الأمل في الحاضر لا شك، وتسوء حالته، ويتراجع مستواه الفكري والدراسي. لا تجعلوا شعور الغربة يتمكن من النفس، لأنه لا يخرج منها بسرعة، حين ندعمه بالحس.
إذا تبدل مزاج ابنك فسارع الى أن تحتضنه، وتمنحه اهتمامك، فجرعات الحب والعطف هي المناعة ضد أي انتكاسة نفسية يمر بها، وتوجه على الفور لطلب الاستشارة، ولا تهمل الأعراض، فربما كان ابنك يعاني من اكتئاب، أو أمراض تحتاج لعلاج، لكي لا تتطور الحالة، ويصبح علاجها بعد ذلك صعبا، ويستهلك الوقت والجهد، فالعارض النفسي كالجسدي، حين تعاني من نوبات ألم، لابد ان تستشير طبيبا، وتأخذ الدواء، لتزول الأعراض، أما نظرتنا بأننا لا نحتاج استشارة نفسية، فهي التي تقف حاجزا ضد تغلبنا على الأعراض، والنوبات التي تنتابنا بين الحين والآخر، لابد ان نوعي أنفسنا، ومن حولنا بضرورة العلاج النفسي إذا احتجنا، والاستشارة من وقت لآخر، لنسير على اتزان نفسي وعقلي، فبدلا من ان تستشير صديقا، ربما نظرته للأمور تختلف عنك، استشر طبيبا، فهو حيادي ليس مع، أو ضد، ولن يحكم عليك بأي حكم، بل على العكس سيساعدك في ان تستدل على الدرب.
مرحلة المراهقة المهم فيها الإرشاد والتوجيه المغلف بالحب، فلا ينفع ان تلقي التعليمات، بفرض، وحزم، وتهمل جانب اللين واللطف، ولا تجعل نظرة الناس لك مقياس.
خوفنا من مراجعة طبيب نفسي، لكي لا تطلق علينا الأحكام، يضعنا في خانة اللاقرار، وهذا أصعب شيء يمر على الإنسان، ان يجد كل شيء يفعله رغما عنه، وليس باختيار، ودوما يحتاج الى تبرير، بدلا من ان يفهم ماذا يريد بشكل صحيح، مشكلة الإنسان الأزلية، هي إجبار نفسه على الاقتناع بشيء، هو ليس مقتنعا به، فذلك يجعلنا نتخبط، ونبتعد عن المسار الصحيح، فحين تعيش عمرك كله خلف خوفك من ان يقول عنك فلان، ستدفع الثمن لحظات استمتاع، وحياة صحية، وفكر خلاق يحلق في كل الأزمات، ليخرج منها بإنجاز.
خوفنا من الناس، لابد ألا يجعل نظرتنا لأنفسنا مداسا، ولا يحول بين ما فيه مصلحة لنا، فالدنيا تطورت، ومن غير الطبيعي ان يتحجر الفكر أمام العلاج النفسي، ويحمل الشخص نفسه عناء المعاناة، على ان يحل المشكلة التي يعانيها، من فيه خير لنفسه، فيه خير للناس، تذكر هذه الجملة، كلما خفت ان يقال عنك مريض نفسيا، أو اعتقدت ان المرض النفسي وصمة عار على جبينك مدى الحياة، فأخرجوا أثقال النفس، تخلصوا منها، اعرفوا أنفسكم، اصنعوا واقعكم، دون خوف، ودون شقاء، فكل إنسان يستحق الأفضل، بغض النظر عما يعيشه ويعانيه. لن يعرف ماذا يريد، حتى يجرب نفسه فيما فيه يرفضه الآخرون.
Twitter @Dr_ghaziotaibi