سأذكر لكم قصة شاب مر بظروف نفسية عائلية توالت معه حتى منتصف الثلاثين، مما جعل عقله لا يوازن ما هو فيه، وبدأ يحن الى كل قديم زرع في نفسه الأمان، فتراه يذهب لأماكن قضى فيها طفولته ويستعيد شريط الذكريات التي تؤنسه.
هذا الشاب كان يتلقى ضربات قاسية من والده، أفقدته توازنه والمرونة، وجعلته متمردا، يريد كل شيء دون حساب، أو ينتزعه بالقوة، أصبح سيكوباتي التفكير، وهذا النوع من الشخصيات لا يتعلم من أخطائه ولا يهتم للقوانين، لأن ضياع الهوية سلبه شعور التقدير فذهب به إلى ما هو أكبر من تمرد، وجعله شخصا مدمنا، أدمن المخدرات، والسلوكيات الخاطئة، مر به قطار العمر حتى منتصف الثلاثين، ونزل للشارع يبحث عن مجيب لما في داخله من أسئلة كأنه مبعثر، وحين أوقفته الشرطة لم تجد معه أي إثبات شخصي كأنه قرر أن يتنصل من ذاته المتعارف عليها، ليبحث عن ذاته التي لا يعرفها غيره، لم تتوقف قصة هذا الشاب عند هذا الحد، فقد عانى من تجارب زواج فاشلة قادته إلى مفهوم خاطئ عن ذاته، فلم يكن اختياره نابعا مما يريد بل كان من حوله يوحي له انه محظوظ لو أن أحدا قبل به فيتملكه شعور بالعدوانية لنيل مطالبه التي أسسها على انعدام قيمته.
لم يكن أحد يعرف أن هذا الشاب بما أوتي من جبروت يدعيه وقوة وهمية يصنعها لتحميه يحتاج لعلاج نفسي مكثف، فكان البعض ينسب ما هو فيه إلى عين القريب وحسد الجار، ولم يضع في الحسبان ان تطور المعاناة النفسية والإدمان أدى به إلى انفصال الخيال عن الواقع.
حين تحدثت أول مرة معه وجدت إنسانا واعيا لما مر به، لكنه مصر على لغة التسخيف التي عادة تكون نابعة من فقد الأمل في مراحل العلاج الأولى وتصيب المريض إذا غابت ممن حوله لغة التشجيع.
هذا الشاب حين أتى إلي كان يعرف نفسه بعيون الآخرين التي عادة ما تكون جائرة بحقنا ونابعة من نزاعات نفسية مغلوطة، فوجد في الإدمان انتقاما من الصورة التي زرعها من حوله فيه كأنه يريد لفت الانتباه لوجوده وقدرته لكن للأسف بالطريقة الخطأ.
مغزى هذه المقالة هو رسالة لكل الآباء إذا كان لديك ابن مدمن أو يسير بطريق نهاية معروفة فكن سندا وداعما له واعرف كيف تستغل اللحظات التي يأتي فيها إليك ليطلب العفو والسماح، وإياك وإغلاق الباب فهذه الأوقات هي مراجعة ذاته واستيقاظ ضميره. وللأسف جرت العادة أنهم لا يجدون مجيبا ولا معينا، فيعودون إلى الطريق نفسه.
Twitter @Dr_ghaziotaibi