من الجميل أن يكون الإنسان مطلعا على مجالات متعددة، ولا بأس أن يكون الشخص مثقفا وقارئا جيدا بشتى مجالات الحياة حتى لو لم يكن يحمل شهادة علمية عالية، لكن الأهم أن يعلم الإنسان جيدا انه مهما قرأ فهذا لا يعني أنه أصبح علاما في كل شيء، فالقارئ الحقيقي هو الذي كلما قرأ ازدادت حاجته ورغبته في معرفة المزيد، وأصبح أكثر شغفا للتغلغل في خفايا أمور الحياة، ومتى ما شعرت بأنك تعلم كل شيء متى ما أثبت أنك لا تعلم أي شيء، وهناك فرق كبير بين أن تكون متخصصا في مجال معين وأن تكون مطلعا على المجال نفسه، فليس من حقك فقط لكونك قارئا في الحقوق مثلا أن تعطي استشاراتك للآخرين، وليس من حقك فقط لكونك مهتما بمجال الطب أن تصدر فتاواك للأشخاص إذا ما شعروا بأعراض جسدية متباينة، فأنت بهذه الطريقة تحدث بهم الضرر بسبب «فلسفتك» الزائدة أكثر من النفع، وفي الوقت نفسه فقد أبخست حق كل من افنى سنوات عمره وتخصص في هذا المجال.
ولا أعلم تحديدا من زرع في عقلية البعض أن عدم معرفتنا ببعض الأمور هو شيء معيب، فأنت في النهاية بشر وسنواتك محسوبة، ولو أفنيتها كلها في البحث والاطلاع والتعلم فلن تستطيع ابداً أن تبلغ حد الكمال في المعرفة.
ولا يسعنا إلا أن نتذكر بعض النماذج البشرية التي نواجهها في حياتنا اليومية والتي تذكرنا بنهاية القرن السادس ق.م، والتي انتشر من خلالها مذهب السفسطة الفكري، والذي كان معظم المنتمين له يعتمدون على مبدأ الإقناع لأجل الإقناع مستخدمين أساليب متنوعة لترسيخ بعض المفاهيم في أذهان الناس بغض النظر عن ماهيتها ومدى تطابقها مع الواقع، حيث كان سقراط وأفلاطون وأرسطو من أشهر من نادى بها واعتنقوها بحسب ما ورد في معظم كتب التاريخ الإغريقي.
ويؤسفني في هذا الصدد أن أرى مجموعة من الحسابات على صفحات التواصل الاجتماعي التويتر والانستغرام والفيسبوك يقدم من خلالها البعض استشارات وهمية لا أساس لها من الصحة، ويبدأ آخرون في إصدار بعض الأحكام الفردية تعليقا على تصرفات الغير وكأنهم سفراء للنوايا الحسنة، إلى جانب بعض الحسابات التي تقدم لكم خلطات خاصة لتنعيم البشرة وأخرى لمنع تساقط الشعر في محاولة لإقناعك بشراء منتجاتهم المصنوعة يدويا والتي ربما يكون ضررها أكثر من فائدتها.
والأدهى والأمر أن تجد من يقوم بمتابعتهم والاقتداء بهم بشكل اعمى، مما يؤدي إلى دفعهم للتمادي بأخطائهم والتعمق في إصدار الفتاوى، فنلاحظ أنه بعد الطفرة الكبيرة في مجال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الكثيرين أصبحنا نلاحظ أن «الجميع يفهم في كل شيء»، حيث أصبحت كلمة «لا أعلم» معيبة لدى البعض وهذا بحد ذاته كارثة فكرية نتعرض لها، فكلمة «لا اعلم» هي الكلمة الوحيدة التي من شأنها أن تدفعنا لطلب المعرفة والتقدم، وهي الكلمة الوحيدة التي ستجعلنا نعلم ما لا نعلم، اعتقد أن الحل في تخطي هذا الجهل هو في التخلي عن كبريائنا السلبي الذي يمنعنا من الاعتراف بأخطائنا وبكوننا ناقصين، والاقتناع الكلي والتام عن عجزنا للوصول لمرحلة الكمال لان الكمال لله وحده لا احد سواه.
instagram:@habiiiba
twitter: @habibaalabdulla