لا يخفى على الجميع دور المعلم في إعداد الجيل ولا يخفى على الجميع جناحي رسالته الإنسانية في التعليم والتربية، لكن بدأت معاناة حديثة العهد تظهر في مجتمعنا الكويتي، واعتقد انها ظاهرة في مجتمعاتنا العربية، حيث بدأت تطغى المدارس الخاصة الأجنبية في الانتشار كخطوة يفترض فيها تقديم تعليم وتربية تتفوق فيهما المدارس الخاصة على ما يقدم في القطاع الحكومي وينافسه في النوعية علاوة على تشجيع رفع الحمل عن كاهل القطاع العام في تحمل مسؤوليته الوطنية عن التعليم والتربية، او يمكننا القول مشاركة القطاع الخاص للقطاعين العام والحكومي في تقديم خدمات تنموية.
التنافس المنشود في نوعية المدارس وبنيتها الإنشائية ونوعية الهيئة التعليمية والإدارية ونوعية المناهج التعليمية والتربوية ووسائل التعليم ونوعية المخرجات التعليمية وتحسن مستواها من لغات وعلم ومعرفة وقدرات شخصية وفنية ولغات، كان التطلع لبنية قوية من جيل معتد بالعلم والمعرفة وشخصية فائقة تساعد في تنمية مجتمعها.
صورة جميلة لكن اين نحن منها بعدما يقارب الثلاثة عقود واكثر على تمكن المدارس الخاصة من حصتها في سوق التنمية التعليمية والتربوية وزيادة أصولها وأرباحها التجارية؟ ما مخرجاتها وما نوعية الطلاب والشباب المصدر منها عدا تحصيل اللغات؟ ماذا استفدنا عدا زيادة عدد المدرسين الأجانب وزيادة الهيئة الادارية من الأجانب وعدا زيادة الرسوم الدراسية والقروض الأسرية لسد تلك التكاليف الباهظة، اين القيم والشخصية الفائقة التي تجيد التعبير عن ذاتها وترى الثقة في النفس والقدرة على التنمية المجتمعية وان تكون احدى عجلاتها؟ اين نحن؟ وما طبيعة ابنائنا وقيمهم وأسلوب حياتهم ونظرتهم الى مجتمعاتهم؟ اين نحن من رقابة التعليم الخاص؟ اين نحن من شكاوى اولياء الأمور من تحيز بعض المدرسين الأجانب لأساليب التربية والتعليم التي ليس لها منطق ولا معايير الا وفق ما يراه المدرس؟ اين الرقابة من تقييم المدرسين العاملين في تلك المدارس ومراجعة صلاحيتها المهنية او حتى مؤهلاتها العلمية والتربوية العلمية في الاختصاص والتربوية في تحصيل شهادات وديبلومات تربوية؟ اين سجل الخبرات للمعلمين قبل البدء في التدريس بمدارسنا او ما يعرف بشهادات الخبرة؟ ان كم الشكاوى والملاحظات المقدمة من المدرسين على أبنائنا في تزايد، وان تقارير المدرسين التي تصنف وتدمر شخصية أبنائنا في تزايد، ان تقارير الانسحاب والطرد وطلبات تحويل الطلاب من المدارس لمدارس أخرى لعدم الصلاحية السلوكية او العلمية في تزايد، ان عدد المشاجرات والمشكلات بين الطلاب وبعضهم من جهة والمدرسين والطلاب من جهة في تزايد، اين تقارير الشفافية في تقييم المدارس الخاصة؟
قد تكون ملاحظاتنا شخصية ولكنها بدأت شائعة في جلساتنا العائلية وجلساتنا الاستشارية فلا يوجد منزل الا وفيه معاناة من المواءمة مع متطلبات وزيادة طلبات المدارس الخاصة، ولا يوجد بيت لا يشتكي من ان المعلمة او المعلم او المدير قد صنف او انحاز ضد احد ابنائنا لسلوكياته او بالكويتي «شطانته»، لا يوجد بيت الا وقد صنف احد ابنائه فيه انه طفل زائد الحركة او يتكلم في الحصة الدراسية او ما يعرف بـ«attention deficit hyperactivity disorder ahda»، قد لا تكون ظاهرة لها مدلولات علمية ولكنها تساؤلات نبحث عن معلومات تؤكدها او تنفيها.
دعوتنا للمعلمين الأجانب وهيئاتهم الإدارية الى ممارسة دورهم التربوي والقيمي في تنمية الذات الكويتية والوافدة تنمية حقيقية تعده لأن يكون شخصية ايجابية ومتوازنة نفسيا وأخلاقيا والبحث عن وسائل مجدية لتحسين دوره البناء القيمي السلوكي، ودعوتنا للهيئة الادارية في المدارس الخاصة الى ان تمارس دورها المهم في تبني برنامج بناء الذات وتوظيف الكفاءات ذات المؤهلات التربوية وتدريب تلك الكفاءات تدريبا سيكولوجيا وفنيا لتكون على قدر متطلبات العمل المدرسي، وهذه دعوة لا تنقص من قيمة المعلمين او الاداريين او المدارس الكفؤة، ولا ننكر وجود بعضها، ودعوتنا للتعليم الخاص الى ان يطور معايير ومقاييس ومؤشرات فعالية التعليم والتربية في مدارسنا الخاصة، وايضا لا ننكر تلك الجهود الطيبة والموجودة حاليا ولكن بصراحة وبقناعة شخصية نقول انها غير كافية او مرضية لنا.
ان التنمية البشرية ايها المعلم والمدير المدرسي والمسؤول في التعليم الخاص تبدأ من المدرسة، نعم من المدرسة اضافة الى الأسرة والمجتمع، ولكن المقاتل الأول والمطور الأول للسلوك البشري هو المدرسة، وهذه قناعتي الشخصية، فالمدرسة اما ان تعمر ذات الطفل او تدمره، فلنتق الله في ابناء الكويت وابناء المقيمين عليها، ان النظام الأجنبي في التعليم لا يعني ان تنحسر شخصية الطفل ومعاقبته نفسيا بتصنيفه في تقارير او تصنيفه ضمن اصدقائه، لتروا الجوانب الإيجابية وتبنوا عليها قيما عالية، ولتتجنبوا نقاط الضعف والتركيز عليها، ولتطوروا برامج تعزيز الايجابيات ونقاط القوة عند الطفل والطالب strength base development، لقد انتهى عصر السلبيات، وتوثيقها في سجل الطالب، لقد بدأ عصر البناء على نقاط القوة، والعلم يأتي بالتبعية والمهارات والقدرات السلوكية والشخصية في المقدمة.
هذه دعوة للتفكير ولمراجعة النفس ايها المعلم الشريك في التنمية البشرية. والله ولي السداد.
[email protected]