يسعى النواب الإسلاميون هذه الأيام إلى محاولات لإعطاء المرأة الكويتية الحق في المكوث في المنزل لتربية أبنائها مقابل راتب زهيد تدفعه لها الحكومة. وفي المقابل ترى لجنة المرأة أن هذا القرار سيكون مكلفا للدولة لعدم إسهام المرأة في أي دور وظيفي، كما ترى اللجنة أن مثل هذا المطلب سيشجع على تبني ثقافة عودة المرأة للمنزل، وهذا ضمنيا ما تهدف إلى تحقيقه التوجهات السياسية الإسلامية، وفي ظل هذا الصراع القائم تبتعد الأنظار عن الهدف الأساسي الذي يجب أن يوضع نصب الأعين عند بحث موضوع الأمومة، هذا الهدف هو مصلحة الطفل وحمايته.
عند التفكير في هذا الموضوع فإنه من المفيد النظر في تجارب الدول المتطورة وفي كيفية تناولها لمثل هذه المسائل، قد تلهمنا تجارب هذه الدول بوضع حلول ليست بالضرورة شبيهة وإنما تكون مناسبة لظروف مجتمعنا الخاصة، فعلى سبيل المثال إذا نظرنا في تجربة المجتمع الكندي نجد أن إجازة الأمومة التي تضمنها الحكومة للأسرة الكندية تتراوح بين 8 أشهر وسنة براتب كامل، هذه الإجازة مضمونة للزوجين إذا كان أحدهما يعمل في القطاع الحكومي ويمكن للزوجين توزيع المدة بالطريقة التي تناسب ظروفهما وهذا يعني انه بإمكان الرجل أن يأخذ نصف مدة الإجازة إذا قرر أن يساهم في تحمل أعباء تربية الطفل في هذه المرحلة، أما بعد انقضاء إجازة الأمومة فهناك الكثير من الأسر التي لا تثق في ترك الطفل عند مربية أو دار حضانة وفي هذه الحالة يستطيع أحد الأبوين بعد موافقة جهة العمل بمزاولة عمله من المنزل إذا استطاع أن يفي بمتطلبات العمل ودون أي تقصير. إن مثل هذه القرارات تؤخذ حتى يكون الطفل تحت رعاية أحد الأبوين، خصوصا أن الطفل في السنوات الأولى من عمره لا يستطيع التعبير عن نفسه أو يشتكي اضطهاد المربية أو الحاضنة عند غياب الأهل، إن فكرة العمل من المنزل أو خارج بيئة العمل موجودة ومطبقة بنجاح في دول عديدة ففي أي وظيفة توجد جوانب يمكن إنجازها من المنزل مثل تقييم اختبارات، كتابة برامج، عمل إحصاءات، رسومات هندسية وغيرها، كما أن توافر وسائل الاتصال الحديثة تكفل بأن يكون الموظف على تواصل مستمر بدائرة عمله خلال فترة الدوام الرسمي.
عند المقارنة، سنجد أن قرار لجنة المرأة في تمديد إجازة الأمومة 10 أيام لتصبح 70 يوما لا تعد إنجازا مقارنة بالمدة التي تكفلها الدول الأخرى. أيضا يمكن للحكومة الكويتية الاستفادة من هذه التجارب من خلال إعطاء الأم الكويتية سنة أخرى للحضانة مع توفير جوانب عمل من وظيفتها يمكن إنجازها من المنزل وهذا يكون مقابل أجر حسب ساعات العمل المنجزة وطبيعته، إن مثل هذه القرارات ستدعم حق الكثير من العائلات الكويتية التي تجد ضرورة في تواجد الأم مع الطفل في المرحلة الأولى لنموه، وبالطبع يعتمد نجاح المشروع على وضع الضوابط التي تضمن مخرجات عمل وعدم استغلال للموضوع.
وبخصوص السجال القائم بين النواب يكون تبني مثل هذه الحلول معبرا عن اهتمام الحكومة والمجلس بمصلحة أطفالنا، كما نكون قد توصلنا إلى وضع حل لتحفظ لجنة المرأة على تقاضي الأم راتبا دون أي إسهام في وظائف الدولة، أما بالنسبة لمن يتمنى ويحاول بشكل أو بآخر إرجاع المرأة للمنزل فنقول ان هذا العهد قد ولى وإذا قبلت المرأة الكويتية بذلك فسيكون رجوعها مشروطا بإسهام زوجها أولا وبشكل متساو في تربية أبنائه.. أليس هذا أيضا ما تدعو إليه شريعتنا الإسلامية؟
[email protected]