قد يعتقد الكثيرون منا ان التخلص من اضطهاد السلطة ـ في حال كان هناك اي اضطهاد ـ وانتهاج الديموقراطية كفيلان بحماية المواطنين من شتى انواع الاضطهاد، ولكننا لم نعط عناية كبيرة لاضطهاد اكثر خطورة من اضطهاد السلطة بل أشد قسوة منها، ونقصد هنا «الاضطهاد الاجتماعي»، تكمن خطورة «الاضطهاد الاجتماعي» في انه اصبح مؤخرا ينتهج نهجا شرعيا وقانونيا منتهزا آليات الديموقراطية، اما قسوة هذا النوع من الاضطهاد فتكمن في سطوته على تلك المناطق التي لا تغطيها القوانين بدقة ووضوح ليصبح بعد ذلك «رأيا عاما» يأخذ في اكراه المواطنين على ان يعيشوا وفقا لنمط سلوكي محدد في المجتمع.
لقد تنبهت الى هذا النوع من «الاضطهاد الاجتماعي» العديد من المجتمعات التي سبقتنا في تجربتها الديموقراطية، اذ شهدت تجاربها محاولات بعض التيارات الدينية المسيسة لفرض اخلاقياتها الخاصة من خلال التشريع او من خلال فرض الرأي العام بدعوى ان هذا التوجه يصب في مصلحة الافراد وقد احاطت تلك التيارات السياسية نفسها بهالة من التقديس لفرض وصايتها على الناس، ولكن سرعان ما كشف هذا التوجه عن مضمون تسلطي يستهدف حريات الافراد كما كشف هذا التوجه ايضا عن بغض تلك التيارات الدينية غير المتسامحة للعقائد المخالفة لها في المجتمع.
وفي تجربتنا الديموقراطية المتواضعة التي نتج عنها مؤخرا اقتحام التيارات الدينية المسيسة فضاء الدولة المدني بدأنا نشهد بوادر «الاضطهاد الاجتماعي» لمثل تلك التيارات.
وفي هذا محاولة لفرض قالب ثقافي ضيق على حياة المواطنين وتعد على حرياتهم في اختيار الطريقة التي يريد كل منهم ان يعيش حياته الخاصة، كما ان هذه التيارات قد بدأت بطريقة او بأخرى في تأسيس البدايات لخطاب كراهية يتجه نحو اصحاب العقائد الاخرى التي هي مكون اساسي في المجتمع.
ان شرط بلوغ النضج الديموقراطي في دولتنا يتطلب منع ممارسات الاضطهاد الاجتماعي تجاه المواطنين من خلال صون الحريات والتي هي قيمة اصيلة لدى كل مواطن، لا يمكن الانتقاص منها تحت اي ظرف من الظروف او بأي شكل من الاشكال.
[email protected]