أثار موضوع محطة مشرف جدلا كبيرا حول أسباب حدوث الكارثة وتحديد الجهة المسؤولة وكيفية تفادي مثل هذه الأزمة في المستقبل. وكعادة الكويتيين، يتسارع البعض منهم إلى توجيه اللوم للآخر هربا من المسؤولية وهناك من النواب من يتوعد وزير الأشغال بالاستجواب. لا أريد التقليل من مسؤولية الأشخاص المكلفين بالإشراف على سلامة المشروع بشكل مباشر ولكن في نظري أن سبب أزمة الصيانة يتجاوز الأفراد والمؤسسات، إنها أزمة ثقافة مجتمع يركز فقط على إنجاز المشاريع لا على صيانتها والمحافظة عليها.
لا نحتاج لمجهود كبير كي نثبت الفكرة فأزمة ثقافة الصيانة تنخر في جميع البنيات الاجتماعية، لننظر في المشاريع التي لم يمض على إنشائها عدة أعوام من مبان حكومية ومشاريع تجارية وممتلكات شخصية. المعالم العمرانية الكويتية فقدت رونقها، الوزارات والمستشفيات والمدارس الحكومية مع مرور الزمن فقدت فاعليتها، الطرق وعرة وتهدد سلامتنا. الأسواق تظهر عليها بوادر الشيخوخة والإهمال بعد فترة بسيطة من إنشائها. أما على مستوى الأفراد، فقليل منا من يفكر إذا كانت له القدرة على صيانة منزله أو عمارته قبل أن ينوي شراءها أو أن يؤمن على سيارته تأمينا شاملا تحسبا لأي ظرف طارئ يلحق ضررا بالسيارة أو أن يعمل فحصا طبيا سنويا تحسبا لأي ظرف صحي طارئ.
إن تضارب واقعنا مع واقع بعض الدول المتطورة يطرح أسئلة عديدة، لماذا الدول المتقدمة متطورة؟ لماذا أغلب مؤسسات ومباني هذه الدول، رغم قدمها، تظل محافظة على وظيفتها، جمالها، واستدامتها؟ ولماذا تكثر شركات التأمين في تلك البلاد المتطورة؟ ولماذا يحرص المواطن فيها على تأمين كل ممتلكاته الثمينة؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تتمثل في ثقافة الصيانة، بمعنى المحافظة والاستدامة، إنها ثقافة تجاوز الحاضر والتحسب للمستقبل، إنها ثقافة دفع القليل مقابل الانتفاع على المدى البعيد، إنها ثقافة المحافظة على كل ما هو فعال، إنها ثقافة المحافظة على كل ما هو أصيل وجميل. هذه الثقافة هي معيار صائب لقياس مدى تقدم المجتمع أو تخلفه ففي دولة تحمل مثل هذه الثقافة من المستبعد أن تحدث فيها كارثة شبيهة بكارثة مشرف لأن مثل هذه المشاريع ترصد لها منذ البداية ميزانيات ضخمة لضمان استمرارية عملها. إن أزمة محطة مشرف تتجاوز بكثير مسؤولية جهة معينة أو وزير إنها مسؤولية مجتمع فاقد لنوع معين من الثقافة، ألا وهي ثقافة الصيانة.
[email protected]