تعالوا معي لنعيش في زمن رحل ولن يعود، تعالوا معي لنأخذ جولة في زمن الحصير الذي ليس له الآن وجود..! أي نعم في زمن الحصير.. فلا تستغربوا! ذاك الزمن الذي لم أدركه أنا ولكن بمجرد السمع أحببته وأحببت رجاله.. لنعش في ذاك الزمن الماضي الذي رحل هو وتفاصيله الجميلة.. وتعابيره النبيلة.. في تلك الأجواء التي عاشها جيل الأجداد حين كان الفراش حصيرا والغطاء سقف السماء.. حين كانت «البركة» هي السائدة ونقاوة النفوس هي الرائدة! وكان المجتمع يعيش في أبهى صور التراحم والتزاور والتكاتف.. ولم تكن هناك روح سوى روح التآلف.
> > >
في زمن الحصير.. في ذاك الماضي البعيد، حين كان البعض يغسل «دشداشته» من عيد لعيد! كانت المعيشة أروع وأهنأ، والأيادي والقلوب أقرب وأدنى، فما أسمى ذاك الحصير الذي مزق ظهور الأوائل فقد صنع منهم رجالا أنقياء أتقياء لا يعرفون المعاني السيئة التي نعيشها الآن! فكانوا يعيشون في أسمى معاني النبل وفي أرقى معاني الأخلاق.
> > >
في زمن الحصير.. كان الجار يسأل عن جاره، والغني يشعر بالفقير، كان المجتمع يشعر بأنه عائلة واحدة، كانت النفوس أطيب، والقلوب أنقى وأعذب، لم يكن هناك وجود لهذه القطيعة التي تعيشها مجتمعاتنا الآن، بل كان «الفريج» وكأنه بيت واحد، أما الآن وللأسف فإن بعض الآباء يوصي أبناءه حين ينتقلون لبيوتهم الجديدة بأن يبتعدوا عن الجار ولا يخالطوه خشية من المشاكل والأذى، ويشدد عليهم بأن يغلقوا الأبواب ويعيشوا لأنفسهم فقط!
> > >
في زمن الحصير.. كان المشتغلون بالسياسة يخشون على سمعتهم قبل كل شيء، فكان همهم الأول والأخير أن تبقى صحافهم ناصعة نقية لا يوجد بها قدر أنملة من سوء الأخلاق، فكانوا لا يضعون أيديهم إلا بمواطن العز والكرامة التي تعود على وطنهم بالرفعة والارتقاء، فلا يهمهم منصب زائل.. ولا تهمهم حلاوة الحياة، لأنهم كان يؤمنون بأن الإنسان عبارة عن (ذكرى)، وتلك الذكرى ستظل تروى للأجيال جيل بعد جيل، وخير الناس من خلف ذكرا حسنا من بعده.
> > >
في زمن الحصير.. كان التاجر يخشى الله قبل كل شيء ولا يكسب إلا حلالا، فلا يغش.. ولا يحتكر.. ولا يظلم.. ولا يتمنى لغيره إلا الخير، لقد كان التاجر في ذاك الزمن مخلصا في نواياه صادقا في خطواته وخفاياه، وكانت النزاهة ديدنه وطبيعته التي تطبع عليها، وكانت الثقة هي السائدة آنذاك، وكان من شدة الثقة في ذاك الزمن كما يروي الأوائل أنهم يقومون برهن شعرات من اللحية فيما بينهم حين يستدين بعضهم من بعض! إنه زمن فارق وسامٍٍ جدا.
> > >
في زمن الحصير.. كان أغلب المجتمع لا يعرف الكتابة والقراءة ولكن كانت القلوب أطهر بكثير من زمننا هذا الذي يعد زمنا متطورا نوعا ما! ومتطورا في شتى العلوم! وأفراده جميعهم يقرأون ويكتبون، فيا أسفا على هذا الزمن الذي كلما تطور علميا تراجع أخلاقيا! فليتنا أخذنا من زمن الحصير ذاك النقاء.. وعشنا به على أمد الدهر والبقاء.
> > >
القراء الكرام يسعدني أن أهديكم هذه الأبيات البسيطة التي كتبتها خلال كتابة هذا المقال متمنيا أن تنال إعجابكم.. وأقول فيها:
يوم كان الناس مفرشهم حصير
والسما كانت لهم فرش وغطا
كانوا أطهر من منابيع القدير
يزرعون الخير في كل الخطى
ينشرون الطيب والذكر العطير
طبعهم طبع الكرام أهل العطا
في كبير القوم ولا فالصغير
ما تحصل كلمة فيها خطا
الصغير يصون شيبات الكبير
لو طلبه الروح عنه ما بطى
والكبير يقدر الشاب ويشير
ما يقول الكلمة اللي تحبطه
والغني ينشد عن أحوال الفقير
ما يسد الباب ولا يربطه
والعشير يموت ما خان العشير
لا وطى خله على جمر وطى
ما هي خوة هالزمن، يارب تجير
الخوي لا طاح صاحبه ازرطه
الزمان اللي مضى ماله نظير
فارق بالحيل، زاخر بالعطا
HaniAlnbhan@