خبراء في كل شيء .. في علوم السياسة والاقتصاد والصناعة والعسكرية والرياضة والذرة والقانون.. الخ.
فوضى تحولت إلى ظاهرة قبيحة في ساحات المجتمعات الشرقية ولم تعد حالة مستغربة، بل باتت واقعا أليما يمارس بشكل يومي في النقاشات التي تدور في جلسات الدواوين، وفي سجالات التواصل الاجتماعي العقيمة، وفي حوارات تقديس الرأي الأوحد على «الفيسبوك»، وفي سوالف أبطال المقاهي الشعبية، وفي بهرجة الكافيهات الكلاسيكية في مجمعات الخمسة نجوم.
ماذا تعني هذه الظاهرة؟ بالتأكيد تعني الفوضى التي تؤدى إلى الفشل والتردي ونهايتها الانهيار بكل شيء، وتعكس الحالة المزرية التي تعيشها تلك المجتمعات، وحتى الإنجاز على المستوى الفردي مازال ضعيفا، وكلما نظرنا لواقعنا بنظرة الأمل، لا نجد إلا طرقا وعرة تهدد رغبة تحقيق هذا الأمل الذي مازلنا نعول عليه ليرسم لنا لوحة الازدهار والارتقاء والتطور ومزيدا من الحرية المسؤولة، للأسف الطريق مليء بالأشواك التي زرعناها بتخلفنا واستسلامنا لحالة الفوضى التي خلقناها بممارسات تقديس الأوهام، والثرثرة بكل شيء من دون أدنى حرج أصبحت قدرنا.
قد يسأل سائل: ما علاقة ظاهرة معرفة كل شيء بتطور مجتمعاتنا؟ لا شك أن هناك علاقة وثيقة تربطهما.. ما هذه العلاقة؟ علاقة التكامل بين الفرد والعلم والعمل وهي سر نجاح المجتمعات، فعلى سبيل المثال، اليابان، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945 قامت الولايات المتحدة الأميركية بقصف مدينتي «هيروشيما وناجازاكي» باستخدام قنابل نووية، بعدها تحولت من دولة سلطوية عسكرية يسودها الجهل والعنف والفساد والفوضى والفقر إلى دولة حضارية تهتم بالعلم والبناء الصناعي، والآن تعتبر من أهم الركائز الاقتصادية في العالم.
فتخيلوا معي لو أن اليابانيين بعد الحرب العالمية الثانية تفرغوا لخلق ظاهرة معرفة كل شيء فقط من خلال «الثرثرة» من دون أدنى إنجاز، كما هو حال مجتمعنا اليوم، هل سيصلون لما وصلوا إليه اليوم من قوة اقتصادية عالمية؟ بالتأكيد لن يحققوا إلا التعاسة ومزيدا من الفوضى.
إن تطور المجتمعات مرتبطة بالأفراد، لو كل فرد تفرغ للإبداع وتطوير ذاته في عمله وترك ما لا يعنيه فستجد الإنجاز يبرز في كل مواقع الدولة، بمعنى آخر، يعني الوزير يهتم بإصلاح وزارته، النائب يهتم بالرقابة وتشريع القوانين، المواطن يصبح رقيبا على تصرفاته، الطالب يهتم بدراسته، المهندس يهتم بتطوير مجاله، الطبيب يهتم ببحثه الطبي لتطوير البيت الطبي، والموظف الإداري يهتم بمهامه ويقوم بتسهيل معاملات المراجعين وفقا للقانون، هكذا قد نتخلص من كابوس الفوضى، ونبدأ باحترام التخصص ولا نتدخل بتخصصات غيرنا التي لا نعرف عن عمقها شيئا.
وإذا تطرقت للكويت، أيضا أجد فيها، كثرة سياسيين في الدواوين، وكثرة دكاترة في المقاهي الشعبية، وكثرة علماء ذرة في «الفيسبوك»، وكثرة اقتصاديين وإعلاميين في «تويتر» وكثرة محللين عسكريين في الكافيهات الكلاسيكية، ولكن حالهم ليس كحال اليابانيين حتى نرى إنجازاتهم.
وأختم بقول الله سبحانه (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) صدق الله العظيم.