زرت مؤخرا سلطنة عمان الشقيقة أو السلطنة كما أحب أن أطلق عليها لأنها فعلا سلطنة بكل التطورات الحديثة وبكل الإخلاص الواضح والملموس بكل العاملين فيها وبانعدام كابوس الفساد الإداري.
أحرص دائما على اقتناء الكتب الصادرة من أبناء البلد المزار للوقوف على ثقافات المجتمع والتعرف عليه عن كثب وكان «مذاق الصبر» للكاتب محمد عيد العريمي.
الكتاب عبارة عن سيرة ذاتية لحالة من التعقيد النفسي يخالطه نوع من الأمل مغلف بكمية كبيرة من الإيمان والتوكل على الله. بعد مرور سنوات طوال على تعاملي مع ذوي الإعاقة وإحساسي بمعاناتهم الجسدية والنفسية والاجتماعية أصبحت أملك القدرة على النظر بايجابية للإعاقة وألا يأس مع الحياة.
مذاق الصبر.. له مذاقه الخاص، له وضعه من حيث الأمل في الحياة ومن حيث النظرة الإيجابية للمشكلة. نحن نمر بالعديد من المشكلات سواء على مستوى الحياة الأسرية والعائلية أو في مجال العمل أو على مستوى المعارف والأصدقاء أو في الأمور المادية والصحية لكن من خلال تصفح أوراق مذاق الصبر يجعلنا نقف بخجل حين نرى تعامل الكاتب مع مشكلته وتعاملنا نحن مع التوافه من الأمور.
يتعرض الكاتب، وهو في العشرين من عمره وبعد تخرجه في جامعات أميركا في تخصص من أفضل التخصصات «هندسة صناعية» ومع بدء حياة زوجية جديدة ونظرة تفاؤلية لمستقبل مشرق لحادث مأساوي لتنقلب حياته رأسا على عقب ويتوقف المستقبل عند الحاضر المؤلم وينتقل من حيوية الشباب والصحة لعالم الإعاقة الدائمة والحادة ليصاب بشلل كامل لا يترك من العافية إلا حركة الرأس والعقل وتمر العشرون سنة بكل ما فيها من تداعيات مرة حتى يقرر كتابة تجربته فكان، مذاق الصبر، الذي يحاول من خلاله أن يعلمنا معنى الصبر.
ونحن مع الظروف الحياتية الصعبة التي يمر فيها الإنسان بحاجة لتعلم الصبر وهناك فرق كبير بين معاناتنا ومعاناته. وقد عرف الصبر أحد الذين قدموا الكاتب للقراء بقوله: وللصبر معنيان: الصبر المعروف بمرارته، والصبر بمعنى قوة الاحتمال على تذوقه بل وعلى استثماره.
والله أخبرنا في كتابه عن الصبر الجميل.
كما قال فيه الكاتب: فجأة فقدت الإحساس بجسدي كله عدا ما فوق الكتفين واقتصرت قدرتي في الحركة على عيني وفمي وحسب ولم تكن لي قوة ـ حتى ـ على حك انفي.
أسلوب الكتاب ببساطته ينقلك لعالم الكاتب بكل ما فيه من تجارب ومعاناة يشعرك بأنك تعيش كل فترات الصدمة والألم وكل تجارب التحول من الحياة السوية إلى عالم الإعاقة وكأنك كنت أحد الأطراف التي عايشت الحدث في حينه ومعه.
فتراه يقول في موضع: كان علي تحمل معاناة الذات قبل آلام المرض والتصالح مع النفس قبل الجسد والاعتراف بالواقع قبل التشبث بالأمل والرضا بالمكتوب والقدر.
كل ما أردت توصيله من أهداف لموضوعي هذا هو الصبر الذي يجب أن نتعلمه من الآخرين. الصبر الجميل الذي نادى به الله عز وجل.
كنت أتمنى لو التقيت بالكاتب أثناء تواجدي الأخير في السلطنة العزيزة.
[email protected]