فكرة الموت مخيفة خاصة حين تمر بتجربته أكثر من مرة وحين تدرك أن الإنسان حين يرحل يخسر كل شيء ويصبح بلا شيء إلا من عمله، تقف أمام الميت مفكرا كيف كان يهز الأرض وكيف أصبح وتستعرض حياتك كلها معه في لحظة.
الموت حق علينا لن ينكره مسلم مهما اختلفت مذاهبه ومهما تعددت ثقافته.
قديما كنا نسمع الكبار حين يتحسرون على موت أهلهم أو معارفهم لم نكن نحس آنذاك بعمق الألم أو مرارة الخسارة، اليوم أدركنا جيدا تلك الشجرة التي تتساقط أوراقها تباعا وباستمرار.. تلك الشجرة ليست في فصل خريف قد يعقبه شتاء وربيع وصيف، بل هي في خريف دائم.
عشقي لأفلام الأبيض والأسود يشعرني بذلك الثقل القبيح للتفكير السلبي وسيطرة مخاوف الموت كنوع من أنواع الفراق، كيف عاش كل هؤلاء الفنانون معنا لمسنا الصوت وشعرنا بالإحساس ومر علينا الجسد باختلاف أطواره ثم، رحلوا، هكذا كأوراق الشجر في فصل الخريف، الشجر الذي يحمل أغصانا دائمة سينبت عليها ورق جديد مختلف في كل شيء، هؤلاء الفنانون يغدون كأفراد من أسرنا نعرفهم جيدا ونشتاق إليهم ونتفكر كيف كانوا، عاشوا، أبدعوا ثم رحلوا، أحيانا نظن أنهم مازالوا معنا أحياء، تماما حين نفكر في جيران لعبنا في ساحات منازلهم رحل الأب والأم واستكمل تساقط الورق بموت بعض الأبناء، كأنهم ما كانوا ولم يوجدوا يوما.
اليوم زاد التفكير السلبي على قسوة، بدأت أستذكر كل من كانوا ثم هكذا ببساطة رحلوا، حديث الجدة وصمت الجد، ضحكة الأب وعتاب الأم، العمة والعم، الصديقة والجارة.. أوراق تساقطت إما بحكم السن أو بسيطرة المرض لكنهم رحلوا حقيقة لن ننكرها، لكننا نتألم بها، نشتاق لأصحابها، نستعرض ذكرياتنا معهم، الحلوة والمرة.
كلما زاد العمر ثقلا بمزيد من السنوات يشعر الفرد منا بحنين لمن رحلوا ويزهد الحياة، خساراتنا في هذه الحياة كثيرة بفضل تراكمات السنين، مرات نعود لأيام الجامعة تسأل عن دكتور معين ليقال لك إنه رحل، دكاترة لهم في الذاكرة عشرات المواقف.
الألم جزء من الحياة لكن لم تكن تلك طريقتنا قبل أن تزداد خساراتنا، لم نكن نفكر ذلك التفكير السلبي حين كنا أصغر سنا، هو ليس نقص إيمان لكنه شعور بالوله لمن رحلوا وإدراك لحقيقة هذه الحياة أن كل شيء مرده إلى فناء.
[email protected]