هيا الفهد
حين برز الفنان عبدالكريم عبدالقادر في أولى أغانيه، نظرت أختي الكبرى للتلفاز حينها وقالت: سيكون لهذا الشاب شأن كبير في مجال الغناء، كانت أختي لا تتجاوز الثامنة عشرة وكنت أصغر منها بعدة سنوات، لم يكن في عبدالكريم عبدالقادر ما يشد الانتباه لفتيات مراهقات لكنه شد الانتباه بموهبة قلما يجود الزمان بمثلها، وسيطر على ساحة الغناء بدءا من الكويت وامتدادا لدول الخليج العربي كلها.
في موهبة فذة وصوت يشدك لأعلى مراتب الهيام، وإخلاص في العمل وروعة في الأداء، بالرغم من أنه لا يملك الحس التجاري ولا يملك الرغبة في الانتشار وإلا لوصل للعالم العربي كله مثله مثل أي فنان يسعى للانتشار وإن كان أقل منه عطاء وموهبة وحلاوة صوت. كنا نتساءل دوما عن عدم وصوله لخارج محلية المكان، وعدم وجوده في حفلات غنائية أسوة بغيره ممن يقلون موهبة عنه..ولماذا لا يسعى للمقابلات كما يسعى الآخرون، ولماذا لا يكثر من مشاركاته سواء في الكويت أو خارج الكويت؟
ربما هو بلغ رسالته مرات ومرات محدودة بأنه لا يسعى للربح كما أنه لا يحب الحفلات، ليس لعدم ثقته في نفسه أو لقلة مستواه الفني ولكن لسبب ما قد يخفيه داخله ولغرض لديه، سؤالي الذي حيرني مرارا: لو تعامل عبد الكريم كما تعامل غيره فأي شهرة كان سيحصل عليها وأي مكانة كان سيصل إليها؟!
استمر عبدالكريم عبدالقادر لدينا كفنان مرغوب ومحترم، نعشق صوته وأغنياته ونتواصل معه أينما حل، فرض وجوده على امتداد كل تلك السنوات وفرض هيبته وغدا برجا جديدا شامخا من أبراج الكويت، أتذكر انه في الثمانينيات اتخذ مسارا مختلفا عن المعتاد ألا وهو إصدار أغنية في عالم وردي جميل، فكانت «ردي الزيارة» وغيرها من روائع ما أنتج وستظل خالدة في قاموس الفن الكويتي، نظرة أختي في ذلك الحين كانت صائبة بالرغم من صغر سنها، أدركت بحسها مكانة هذا الفنان وصوته وجمال وعذوبة أغانيه، وحين غنى أغنية بعد التحرير «وطني حبيبي» أبكى الجميع شيخا كان أو شابا، طفلا أو امرأة وأبكى القلوب العربية الصادقة المدركة للحق الكويتي ولقيمة الأرض لناسها وأهلها وأهمية الوطن والمواطــنة.
عبدالكريم عبدالقادر، لم تظهر عليه علامات غرور فنان متمكن، بل ظل على تواضعه بشهادة من التقى به احترمه الكل في الكويت، وأظن هذه نظرة أبناء دول الخليج العربي أيضا، ولم تنتشر أي إشاعة جارحة تدل عليه في الوسط الاجتماعي والفني لأنه صنع اسمه فحافظ عليه واحترم ذاته فحافظ على سمعته.
لم ألتق يوما به وإن تمنيت ذلك، فقد تمت دعوته في العام الدراسي الحالي لزيارة مدرسة من مدارس التربية الخاصة، سعدت بهذه الدعوة لأني سأرى هذا الفنان الكبير بفنه وخلقه ولكن لسوء حظي اعتذر لظروف صحية في حينها، الفن الخالد يستمر خاصة حين يتعب صاحبه ويعمل بجد وإخلاص ويترفع عن صغائر الأمور وإلا لما استمرت أغنيات أم كلثوم حتى يومنا هذا وعبر أجيال متعاقبة، اليوم أبناؤنا يحبون عبدالكريم ويستمعون إليه خاصة لأغنياته القديمة ـ قبل أن يولدوا ـ وهذا مؤشر على خلود فنه واسمه ولكل مجتهد نصيب.
رسالة أحببت ان أوصلها لفنان سخي احترم فنه فاحترمه الآخرون.