هيا الفهد
تسيطر علينا الأحزان لا ندري من أين تأتي، لكنها نيران تلسع فينا القلوب والعقول والأجساد، لنعلق في فضاء لا توازن فيه، نغدو ريشة كما يقال في مهب الريح، والريح حتى لو أقفلنا في وجهها ألف باب وباب سنجدها تتسرب إلينا من ثقوب النوافذ وشقوق الحوائط وفتحات الأبواب، ريح أشبه بمجنون يحمل مطرقة الموت، يدنو، يقترب منك يريد أن يغتال الحياة داخلك، أن يدمرك، والجنون عقاب ربما بما ارتكبته أيدينا وربما سعينا خلف أشياء أحببناها وناضلنا من أجلها متناسين عسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم.
الأحزان متنوعة، مختلفة الحجم والتأثير والأثر، لها أنياب أشبه بحيوان خرافي الوجود والتاريخ لكنه قاتل ومميت، قد يمزق كل ما فيك من مشاعر ويبعثر الأحاسيس لتصبح مجرد خيال لا حس لديه، الزمن الذي نعيشه عصبي وحاد الطباع ينقلك من عالم لآخر دون رحمة، من قمة لقاع من أبيض لأسود دون مراعاة لتدرج الألوان، دون عطف أو شفقة فتحس بوحدة مفروضة تقيدك، تكبلك، تخنق فيك الأنفاس فيرتعش جسدك وتخاف وتظن انه ربما عرض من أعراض إنفلونزا الخنازير هذا الوباء الذي بات يهدد البشرية على مساحات الكرة الأرضية كلها. الحزن طريق مغبر، مجهول الأرصفة ربما يجعلك تنحرف ذات يوم يمينا أو شمالا لتقع فيما يشبه الحفرة أو في الرمال المتحركة التي تمتصك وأنت في ذهول تام نحو الأسفل ونحو الفناء.
نحن لا نملك أن نوقف الزمان في زاوية محددة هي الأمان أو السعادة، لا تستطيع أن تطيل هدنة السلام معنا، لا نقدر على أن نمنع تقلب الأيام، فالجو إما حار أو بارد إما مشمس أو متلبد بالغيوم إما صحو أو مغبر، فتحس القلوب بهذا التقلب المعتوه يجرها نحو هاوية الألم والشعور بالاكتئاب ولا يكتفي بالقلوب لأن ما نشعر به يصبح ألما جسديا ومرضا عقليا كان أو عضويا، المؤلم في الموضوع كله هو الطيبة التي غلفت هذه القلوب والتي أعطت دون ملل أو كلل دون أن تنتظر المقابل ودون أن تيأس، لكن تكرار الطعنات التي تأتيك من كل حدب وصوب لتصيب ذات المكان فيستمر النزف وتستمر إسالة الدماء فتختلط الدموع بالدم ويرتبط الأنين بالبكاء، ليغدو الأمر انحدارا نحو الموت، وقد يكون الموت هو الخلاص مما نحن فيه واللهم لا اعتراض.
[email protected]