الفيلم العربي القديم أو كما يقال فيلم الأبيض والأسود مازلنا نستمتع بحضوره، حيث إنه ينقلنا لعالم هادئ جميل خال من المشاكل والهزات العنيفة، نطالعه بهدوء أعصاب وروح متفائلة عبر قصته وحواره ومن خلال مشاهده وتمثيل نجومه، فكل شيء فيه هادئ وجميل، وكأن الدنيا حلوة وكأن العالم جميل، وعندما كان يناقش مضمون الشر من خلال أحداثه وبعض شخصياته لم يكن يوجد فيه التشنج.
الأفلام العربية القديمة حلوة في كل شيء، من هنا صارت خالدة عشقتها أجيال وأجيال ولم تنجب السينما إلى يومنا هذا أبطالا كما كانوا في ذاك الزمن الجميل، وقد أظهرت لنا هذه الأفلام مصر أم الدنيا في أبدع صورها، لم يكن يوجد في تلك الأفلام ما يخدش الحياء أو يؤذي السمع أو يضر البصر، فحين تتابع فيلما من نوع الأبيض والأسود تهدأ نفسك وتشعر بطمأنينة تسري في عروقك من بدايته لنهايته وتقف متعجبا من نجاح كل ما فيه من معالجات بإمكانيات محدودة في ذلك العصر قدم فنا راقيا يحكى به للقرن الحالي، وأعتقد أنه سيستمر كذلك إلى جيل آخر قادم، حيث لم يصل لمستوى أفلام الأبيض والأسود كثير من الأفلام الحالية بكل إمكانيات السينما التفاعلية الموجودة في عصر التكنولوجيا.
الاستمتاع بتلك النوعية من الأفلام لايزال مستمرا، فكثر منا يحرصون على متابعة القنوات التي تقدمها، كما أن أبطالها خالدون في قلوبنا وعقولنا كأنه لم يرحل غالبيتهم عن عالمنا، وكأنهم أفراد عايشناهم وعرفناهم عن قرب، وكأنهم جزء من الأسرة أو العائلة نترحم على الأموات منهم ونتمنى للأحياء الصحة والعافية وطول العمر.
نحن في زمن سريع الإيقاع، كثير الحوادث، زمن فيه المشاكل العديدة والمختلفة الأشكال سواء السياسي منها أو الصحي أو الاجتماعي، نحن بحاجة لهدنة في الأعصاب ولإزاحة هذا الكم الهائل من الضغوط، قد تقل الفرص التي يعالج فيها ما نحن فيه من ضغوط، فيطل الفيلم العربي القديم ليفرض نفسه ويشدك لعالم جميل هادئ فيغدو أحد الطرق في معالجة ما نحن فيه من مشكلات ويصبح كالبلسم الذي يشفي ما في داخلنا من تقرحات فرضها زمن قاس سريع الإيقاع كثير البلاء.
قد نكون شاهدنا هذه الأفلام عدة مرات على مدى سنوات عمرنا وحفظنا العديد من المشاهد والحوادث فيها، بل قد نكون حفظنا الحوار الذي يدور بين البطل والبطلة ومع هذا يشدنا الفيلم وكأننا نراه للمرة الأولى، فعجيب أمر هذه الأفلام التي خلدت في ذاكرتنا باختلاف أجيال وأجيال، هل لأنها تعالج موضوعات حميمة في دائرة مغلقة ومعلقة بأفراد الأسرة الواحدة أو العائلة؟ أم لأنها تخاطب المشاعر بشكل مباشر؟ أم للهدوء الذي غلفها وكأنها موسيقى رومانسية هادئة تدعو للاسترخاء على عكس كمية الصراخ والمشاكل التي تدل عليها أفلام الحقبة التالية، نحن بحاجة حاليا لنوعية الأفلام القديمة لتمتص من داخلنا جميع المشاعر السلبية التي عكستها أحداث الحاضر السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
[email protected]