(جئت يا يوم مولدي.. جئت يا أيها الشقي)
حين تغنى فريد الأطرش بتلك.. لم أتخيل أن يحكي عن ذاتي بعد كل تلك السنين.. يفرح البعض بيوم المولد.. يعد العدة لحفل بهي يتباهى به.. يدعو من أراد من مقربين يتمنون له الخير في عام قادم أو حاسدين يريد أن يغيظهم بحفله.. لا يدري أن معناه نقص سنة من حلقات عمره ودنو أجل من يوم رحيله.. يفرح بنقص لا زيادة فيه هذا العمر الذي يغدو لحظة بسنواته وأشهره وأيامه.. بأفراحه وأتراحه. بكل ما فيه من أحداث وذكريات وناس..
مازال كلام الوالد - رحمة الله عليه - حين قال منذ سنوات طوال: ذكرتني ابنتك بك حين لمحتها قادمة..
استهزأت بمفرداته كيف يتذكرني طفلة صغيرة وقد اقتربت آن ذاك من الثلاثين!
مر على رحيل أبي ما يقرب من العشرين عاما.. أسترجع اليوم ذكرياتي معه كأنها الأمس وكأن الفارق الكبير من العمر لم يكن..
حقيقة ما زلت أذكر ولادات أبنائي جميعها بوجعها.. بأمراضها.. بروائحها.. بحديث الأطباء.. بنصائح الكبار.. أتذكرها بأمكنتها وتواريخها وكأن الزمن يقف منتظرا لا يمشي..
رحل من رحل.. أجداد.. آباء.. أقارب.. وبقينا ننتظر دورنا بالرحيل..
الحياة قصيرة أقصر مما نتوقع.. حين كنا صغارا كنا نظن أننا نملكها.. حين كبرنا عرفنا أنها من ملكتنا، فاللهم أحسن خاتمتنا..
قلت لابنتي حين ضاقت ذرعا بابنتها.. ستغمضين عينا وتفتحين أخرى وترينها كبرت. هزأت من مقولتي قائلة: فتحت وأغلقت وما زالت صغيرة..
بعد مرور السبع ذكرتها حين لمحت الابنة كبرت.. ذكرتها.. قالت: صدقت مرت سنواتها سريعا..
ليتنا نملك اعادة الزمن للوراء لصححنا أخطاء كثيرة وعالجنا أمورنا بطرق مختلفة لما أغضبنا أبا ولا تركنا أما لحظة واحدة.. لما زعلنا جدة طيبة.. لما دللنا أبناء أو قسونا.. لما تخلينا عن هوايات.. لما تقربنا لأصدقاء غدروا بنا وتسامحنا مع البعض الذي لا يعي معنى التسامح.. لما ولما....
ليت أبناءنا يعون ذلك ويستفيدون من تجاربنا، لكنه التاريخ الذي يعيد نفسه حين لا يستجيبون للنصائح وغدا سيدركون الخطأ حين يغادر من كان حولهم..
يوم مولدي قريب أنشد الستر والعافية.. أدعو بقاء أبنائي حولي.. أطلب رضا الله.
[email protected]