إن ظهور تنظيم داعش في هذا الوقت هو ضربة للإسلام المعتدل في الصميم كزيت يصب على النار إذ أصبحنا بين داعش من جهة والمشروع الشيعي من جهة أخرى وهو أمر مرشح إلى أن يمتد حتى يشمل بعض الدول العربية إذا ما تم القضاء على صولجان داعش.
وما دام فكر داعش القائم على التشدد والغلو بهذه الصورة المخالفة، إذن علينا أن نستعد لمواجهة ظروف أقل ما يقال عنها صعبة وقاسية.
والسؤال: ما سر استجابة المقاتلين العرب والأجانب من الشرق والغرب تحت صولجان داعش الخطأ؟
في الواقع إن الهرم التنظيمي لداعش يكتنفه الغموض وقد تناهت إلى مسامعنا مؤخرا أول أنباء تحركات داعش وقد أدرك الناس أن المسألة جدية، وبدأوا يتساءلون من هم هؤلاء الدواعش؟ فمن الواضح ان داعش حركة سياسية تقوم على فكر إسلامي متشدد لا تؤمن بالقواعد السياسية لمفهوم الدولة الحديثة، ويسعى التنظيم وأنصاره من الحواضن الاجتماعية لإقامة دولة الخلافة الإسلامية، ولم تعادل سرعة انتشار داعش وتقدمها سوى تدني مستوى منظومة القيم في سلوك التنظيم في نظر العرب المعتدلين أنفسهم.
لذا هل ستنجح داعش في فرض نفسها بالقوة المفرطة؟ أمام حجم الأخطاء التي ارتكبتها سواء كان بحق أهل السنة المخالفين لهم، أم بحق الآخرين إذ شاهدنا ذبح الصحافي الأميركي جيمس فولي على يد عناصر داعش بطريقة غير مفيدة.
إن الخطر الحقيقي على مستقبل البلاد العربية يتمثل في المشروع الإيراني المناهض للوجود العربي والمدعوم من الحرس الثوري الإيراني وميليشيات أبي الفضل العباس وعصابات أهل الحق العراقية وحزب الله وموقفهم من الثورة السورية وما نجم عن تورطهم في جرائم غير مسبوقة في التاريخ الإنساني من خلال المواجهة العسكرية الدائرة فيما بين الجيش الحر والنظام.
وتعد التجربة القتالية لداعش في الحرب السورية من الأسباب التي أدت إلى ولادة التنظيم، وقد منحته القوة الكاملة لتحقيق التقدم والانتشار في مناطق انتقائية.
وأسلوب داعش دموي مع الخصم إذ يعتمد فيه على استخدام الإعلام السلبي لإثارة الرعب في المجتمع.
وعمق المشكلة ليس هنا، وإنما مرتبط بالبيئة السياسية داخل العراق الجاذبة للحركات الدينية المتشددة التي أفرزت تنظيم داعش الاندماجي.
وأن ضعف خصوم داعش (تقديم التسهيلات) من قبل الحكومتين السورية والعراقية أدى إلى انتشار التنظيم مؤخرا وهي سياسة خلط الأوراق.
وإلا لماذا أمر المالكي جيشه بالانسحاب أمام تنظيم داعش في الموصل ومدن عراقية أخرى؟
ولن يتوقف سيل التشدد والابتزاز والضغط والتهديد القادم سواء من طرف عناصر تنظيم داعش أو من أطراف داخلية أخرى تتربص لاقتناص الفرصة، ولكن الدرس الذي ينبغي على العرب أن يستخلصوه أن داعش هي أداة لتحقيق أهداف أخرى، وان تنامي التنظيم بشكل ملحوظ هو إستراتيجية لضرب ما تبقى من الصف العربي المعتدل، وتحطيم البنى لدولة بعد أخرى.
فالمشهد السياسي معقد وفيه من التناقضات الكثير، والمطلوب من المواطن العربي أن يفكر بشكل إيجابي من أجل تحقيق الذات وإرساء قواعد السلام والاستقرار والتطور لبناء مجتمع عربي مفيد.
إن درء المخاطر الناجمة عن تنامي التشدد والتذمر يستدعي إصلاحات واسعة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتخليص المجتمعات العربية من توتراتها العنيفة.
إن سياسة تنظيم داعش والتنظيمات الأخرى المتشددة تسعى لإحداث القطيعة مع الغرب وهذا الموقف يدفع العرب نحو العزلة والانسحاب من حركة التطور.
في حين تميل سياسة الغرب إلى المحافظة على الوضع الراهن في المنطقة مادام هذا الوضع لا يهدد مصالحها ولا يخلق لها المتاعب، ولكن عندما بدأت داعش تشكل خطرا على مصادر النفط سارع الطيران الأميركي بتوجيه ضربات جوية لمنع تقدم التنظيم.
من الواضح لكل ذي عينين أن خطر الحركات الإسلامية المتشددة بات يهدد الأمن والاستقرار في بعض الدول العربية وخاصة الأردن التي طبقت سياسة مبدأ «الهجوم أفضل وسيلة للدفاع» إذ قامت بتوجيه ضربة جوية لعدد من المواقع التي تتخذها بعض الحركات الإسلامية المتشددة في سورية إلى جانب السعودية وقطر والامارات العربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
إن التحالف الدولي على داعش سيكون مؤثرا للحد من قوة التنظيم عسكريا لكنه ليس كافيا لإنهاء نفوذه في المجتمع، ويبقى مستقبل المنطقة مرتبطا بحجم الإصلاح الحقيقي من جهة وبقدرة داعش والحركات الأخرى على التمدد وكسب الأنصار الجدد من جهة أخرى.
ولذلك، فالحل يكمن في العمل على تثقيف المجتمع وتوعيته بالأخطار التي تهدد وجوده السياسي. وعلى الحكومات أن تتحمل مسؤولية الواقع الاجتماعي والثقافي والتاريخي من أجل بناء مجتمع حديث متطور، لأن الحداثة والتطور أقوى من المجتمع العربي وقد هزمت المجتمع نفسه. والحكومات مطالبة بالتخلي عن سياسة الظلم والإقصاء والتهميش بين مكونات المجتمع نفسه والاعتماد على بيوتات بعينها في شغل الوظائف العليا ومثال ذلك ما يحدث في الأردن.
ويمكن للحكومات العربية الاعتماد على الشباب وتفعيل طاقاتهم ومشاركتهم بالسلطة لأن التذمر يمثل خطرا حقيقيا ناهيك عن تصاعد الفكر المتشدد واستخدام القوة المفرطة تحت صولجان داعش الخطأ وغيرها.