في إحدى زياراتي المحببة إلى قلبي التي تحملني فيها نفسي شوقا إليه.. لأقضي الصباح بقربه حيث يعم الهدوء في منزله صباح السبت، فأنعم بتلك القصص التي تحمل في طياتها العديد من الخبرة والحكمة والثقافة، إنه «جدي يوسف اللهو» حفظه الله وأطال عمره، حكى لي ذات يوم عن رحلته إلى بريطانيا، حيث ذهب لتعلم اللغة سنة 1965.
وكما هو معروف يقيم الطالب عند عائلة حيث يتوافر له السكن والمأكل ليتفرغ للدراسة، يقول جدي: كان كل ذلك مقابل (١٥ باوند) أسبوعيا ـ ٨ منها للعائلة و٧ لمدرسة اللغات ـ، مازال يحضر جدي الاحترام والتقدير الذي حظي به من قبل العائلة من حسن استضافة ورعاية، يتجلى ذلك من سؤاله عن أي غرفة يفضل، إلى سؤاله عن طبيعة طعامه، وما الطعام غير المسموح به في دينه، ويقسم أنه طوال مدة إقامته لم ير مشروبا يقدم حتى في تجمعاتهم أثناء حضوره تقديرا واحتراما له، فلا يلام جدي في أن يستمر في التواصل معهم سنوات طويلة بعد عودته للكويت.
إن تنظيم مثل هذه الكورسات لتعلم اللغة في بريطانيا منذ سنة 1965، أثار في قلبي وضع بعض الأبناء في منازلهم بين ذويهم، وحال وزارة التربية الذي يرثى له، إن الاهتمام بكون مكان الإقامة والدراسة بيئة جاذبة للطالب تهون عليه السفر والغربة وقطع آلاف الأميال لتعلم شيئا جديدا.
لو أن هذا التقدير والاحترام وجده الطالب في بيته بين أهله وأسرته فيخرج واثقا مشبعا بالحب يستطيع أن يعكس القيم التي تربى عليها خارجا، ثم يرى ذلك التناغم بين ما يتعلمه في بيته وما يتلقاه في مدرسته، بوجود مديرين مخلصين ومعلمين متفانين، كالدكتور (محمد الحاضر) ناظر مدرسة المسعود بن سنان، أذكر في زيارة لي للمدرسة وكان وقت (الفرصة) اعتذر لي أنه سيتأخر عن مقابلتي عشر دقائق لأنه يجب أن يطمئن على الطلبة في هذا الوقت، كنت أنتظر في مكتبه الذي يطل على الساحة فإذا به يربت على أكتاف الطلبة يسألهم عن حالهم، هذا الموقف عكس لي مقدار الحرص والإخلاص الذي يشعر به تجاه منصبه، إن سلوكه البسيط هذا اختصر دورات وساعات طوال يعقدها النظار ينصحون فيها مدرسيهم في كيفية التعامل مع الطلبة..
إن وجه الإخلاص والتفاني واحد لا يعرف لغة ولا دينا ولا مكانا، سواء أكنت موظفا أو مديرا أو طالبا أو حتى إن كنت تعمل عملا حرا.
دام الإخلاص الوجه الذي لا يفارق أعمالكم.