يبدو أن وزارة الصحة لا تعرف سوى قرارات فردية يتخذها الأطباء بمفردهم مثلما كانوا يمارسون الطب في أفلام الأبيض والأسود.. ولا يعترف مسؤولو الصحة بالتقدم في آلية اتخاذ القرارات الحديثة، حيث إن الطبيب في عصرنا هذا أصبح عليه أن يستمع للمريض ويناقشه ويطلب منه إجراء سلسلة من الفحوصات والأشعات ويعرضه على أطباء من تخصصات أخرى حتى يشخص الحالة جيدا، ثم بعد ذلك يتخذ القرار.
ولكن ما تصدره الوزارة من آن لآخر من قرارات في الصحة لا يبدو أنها اتخذت الخطوات المطلوبة للدراسة المتأنية اللازمة لضمان إصدار قرارات سليمة ومع احترامي لنوايا الإصلاح فإن تلك المبررات لا يمكن قبولها كمبررات لقرارات سريعة وغير مدروسة.
فهل لا يوجد في «الصحة» من يستطيعون دراسة جدوى أي قرار قبل صدوره أم أن السرعة قد أصبحت السمة السائدة بالوزارة؟ وهل لا يوجد في «الصحة» مجلس استشاريين لدراسة القرارات قبل التسرع في إصدارها؟ وخصوصا أن سرعة وعدم نضج بعض القرارات يؤديان إلى الأحكام القضائية والتعويضات التي تتحملها خزينة الدولة.
لقد انتهى عصر العزف المنفرد بالقرارات الطبية الذي كان سائدا في السابق، وأصبحت الممارسة الطبية الحديثة أكثر نضجا وتطورا، ولم يعد مقبولا في الأمور المتعلقة بالصحة أسلوب التجارب في الجسم الصحي بقرارات غير مدروسة تنتج عنها فوضى ومضاعفات كارثية.
والأمثلة في الصحة وللأسف كثيرة، سواء في قرارات شغل الوظائف الإشرافية بالواسطة والترضيات، أو لأسباب شخصية، وأيضا قرارات تشكيل وفود الصحة بالمهمات الرسمية للاجتماعات الصحية الدولية، حيث يغيب عن عضوية الوفود الكفاءات المتخصصة في الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال، ويغلب على الاختيار الاعتبارات الشخصية والمجاملات، وتجد أن الوفد أصبح دائما ولا يمكن تغييره حتى مع تغير جدول الأعمال والمواضيع المدرجة فيه، وهناك أيضا أمثلة أخرى لقرارات كان من الممكن أن تكون أكثر نضجا لو وجدت طريقها لدراسة متخصصة قبل التسرع في إصدارها.
ويا ليت المسؤولين عن الصحة لا يتعجلون بإصدار القرارات غير المدروسة وضرورة عرضها على اللجان المختصة قبل إصدارها وخصوصا أن الحياة والصحة هي أغلى ما يملك أي إنسان، ولا يجب أن يكون الإنسان حقلا للتجارب، ومسرحا لتصفية حسابات أو مجاملات شخصية قد يترتب عليها مضاعفات وكوارث، فهل أصبحت الصحة مسرحا لعرض مسرحيات ببطولات فردية؟ أتمنى على وزير الصحة ألا يوافق على إصدار القرارات التي تتعلق بالأمور الصحية المهمة إلا بعد التأكد من دراستها جيدا من مجلس وكلاء الوزارة ومن اللجان المتخصصة ومجالس الاستشاريين، وأن تكون الاستشارات مخلصة وبعيدة عن أي مصالح شخصية أو مجاملات، لأن الصحة هي أغلى ما يملكه الإنسان، وهي أمانة بيد وزير الصحة وقيادييها، ولا يجوز العبث بها بقرارات غير ناضجة وغير مدروسة، لأن الصحة لا يجب أن تكون حقلا للتجارب من المبتدئين والعابثين.