ما من شك في أن الصحة هي رأس المال الرئيسي لأي مجتمع، والاستثمار في الصحة يعود بالنفع والفوائد على حاضر ومستقبل أي دولة، إذ لم تعد الصحة شأنا حكوميا فقط، بل ان تتولى الحكومات بمفردها مسؤولية الصحة فهذا لم يعد واردا في قاموس أداء النظم الصحية على مستوى معظم دول العالم.
وأصبح الإنفاق على الخدمات الصحية يمثل أعباء على الميزانيات الحكومية لن تستطيع تحمله إلى الأبد، لذلك ظهرت حلول من خلال التأمين والضمان الصحي، بل وتقليص الفوائد التي تغطيها الخدمات الصحية الحكومية من آن لآخر.
وفي الكويت تعودنا على أن وزارة الصحة عليها أن تقوم بدور الأب الذي يعطي دائما وإلى الأبد لأبنائه كل شيء دون مقابل، وحتى دون أن ينتظر الشكر والتقدير، ولا أعلم إلى متى سيستمر ذلك في ظل ظروف تقليص الميزانية وحذف بنود بحجة أنها غير ضرورية حسب تفكير من يقومون بحذفها أو تقليصها من ميزانية الصحة، بل ان برامج صحية مهمة قد لا تجد لها نصيبا بميزانية وزارة الصحة على الرغم من أهميتها للاستثمار في الصحة للحاضر والمستقبل.
وكم توقفت أو تعثرت برامج وقائية بالصحة بسبب عدم وجود ميزانيات أو شطبها تماما من ميزانية الصحة دون فهم لأهميتها وجدواها، فتكون النتائج بالأرقام ارتفاع معدلات السلوكيات غير الصحية مثل التدخين والسمنة وزيادة الوزن وما يترتب عليها من وفيات ومضاعفات بسبب أمراض القلب والأمراض المزمنة التي تسبب نحو نصف أسباب الوفيات.
عندما كنت مسؤولة عن إعداد التقرير الوطني عن الوقاية والتصدي للإيدز لتقديمه للأمم المتحدة ولمنظمة الصحة العالمية باعتباري المستشار الوطني وضابط الاتصال مع المنظمات الدولية، كنت أواجه صعوبة كبيرة في التعرف على نسبة الإنفاق على البرامج الوقائية بميزانية وزارة الصحة، وبعد محاولات للعثور على المعلومة المطلوبة فإننا نفاجأ بأن الأرقام والنسب قليلة جدا ولا تتفق مع مكانة الكويت بالمجتمع المدني كدولة مانحة بسخاء لبرامج الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية.
والحل هنا هو أن تدرك مؤسساتنا الوطنية والقطاع الخاص أن المشاركة بالبرامج الصحية ليست فضلا، بل انها مسؤولية اجتماعية تقع على عاتق الجميع، وسجل المشاركة المجتمعية يجب ألا يكون بتقديم الأدوية وإقامة المستشفيات فقط، بل بتبني ودعم البرامج الصحية واضحة الأهداف والغايات، وهذا لا يكون إلا بتوافر قيادات مسؤولة بالقطاع الحكومي أو القطاع الأهلي للاتفاق على آلية التنفيذ، حيث إن الاستثمار في الصحة هو مسؤولية مجتمعية وطنية وإنسانية يجب أن يلقى الدعم من كبار المستثمرين والاقتصاديين لتحقيق النجاحات المالية والاقتصادية، إذ إن هناك العديد من الأمثلة من المانحين العالميين الذين تبرعوا بسخاء لبرامج صحية عالمية حققت مردودا هائلا لوضع نهاية لأوبئة وأمراض فتاكة على مستوى العالم وليس على مستوى دولهم فقط.