يعتقد البعض أن كلمة تقاعد تعني شهادة وفاة وعزلة عن العالم، والكثيرون لا يحبذون تداولها تجنبا للوصمة والتمييز بين أفراد المجتمع وأبناء المهنة الواحدة، ولكن في الواقع لا يوجد أي فرق بين الطبيب المتقاعد وغيره من الأطباء الذين ينتظرون التقاعد، بل بالعكس تماما فقد يجد الطبيب المتقاعد الوقت اللازم للمزيد من الاطلاع ومتابعة المستجدات العالمية والمساهمة في إعداد الأجيال القادمة من زملائه.
إن الأطباء غير المتقاعدين يلهثون للمواظبة على الدوام وقد يجمعون بين الدوام والعيادات الخاصة وأحيانا تشغلهم الصراعات المهنية عن الاطلاع ومتابعة الجديد.
ومن ثم فإن كلمة طبيب متقاعد تعني في الواقع المزيد من العطاء المبني على المعرفة المتجددة، وليست وصمة أو تمييزا كما يعتقد بعض محدودي التفكير أو من يمكن وصفهم بقصر النظر ومحدودية الرؤية وبنفس نظرية الحي الميت والميت الحي، حيث إن بعض المتقاعدين يقومون بإثراء المهنة بعطائهم الإيجابي، أما من هم على رأس عملهم فالكثيرون منهم أصابتهم الشيخوخة المهنية، وتكلست شرايين العطاء لديهم، وأصبحوا مجرد أرقام فقط، وهو أحد أسباب ما يعانيه النظام الصحي من جمود بسبب تقاعد أفكارهم وعطائهم قبل أجسادهم.
وهناك اختلافات كثيرة بين من يتقدم باستقالته وهو في قمة نشاطه وعطائه مثل لاعب الكرة المتميز عند اعتزاله، ولكن هذه الحالة تختلف عمن يحال للتقاعد بقوة القانون بعد أن جف عطاؤه وأصبح عبئا على نفسه وعلى من حوله.
إن أسباب التقاعد أو الاستقالة الطوعية تعتبر أسبابا شخصية تختلف من شخص لآخر وهي حق دستوري لكل شخص يعلو فوق أي حق آخر ومن الكياسة واللباقة أن يتقاعد أو يستقيل كل شخص في الوقت الذي يراه مناسبا ليستمر عطاؤه إن كان لديه أي عطاء من موقع آخر ولا يظل في الوظيفة ويحتكر المناصب ويحجبها عن الأجيال الجديدة وليستمتع بالحياة قبل أن تصيبه جلطة قلبية ليموت جامدا على مكتبه. ويوجد العديد من الأمثلة التي لا تتسع لها المساحة لذكرها.
ولا ننسى أن الدماء الشابة ضرورية للمحافظة على حيوية الأنسجة والأعضاء إذ يجب أن يكون هناك تجديد مستمر للدماء وعدم احتكار المناصب حتى الموت ليرقى الوطن ويتطور.