مطلوب أن نستوعب جيدا ما جرى حولنا، وما يجري، وما سيجري، وسأروي ما حدث معي ـ شخصيا ـ وما لم يروه لي أحد، وإنما شهدته وتحدثت مع شخوصه الأحياء..
.. قبل شهور قليلة وأثناء غيابي عنكم في رحلة «الصيف» إلى كندا، هناك على أطراف العاصمة الاقتصادية تورونتو تقع مدينة ميسيساجا الأقرب إلى قلوب العرب، حيث لا تشعر فيها كثيرا بالاغتراب، فاللغة العربية تسمعها ليلا ونهارا في الأسواق والمقاهي، والسيدات اللواتي يرتدين الحجاب لا يلفتن الأنظار لكثرتهن، وفي السنوات القليلة التي أعقبت «الربيع» ازداد عدد العرب من الجنسيات السورية والعراقية واليمنية والليبية لينضموا إلى أشقائهم الفلسطينيين والسودانيين.. وطبعا المصريين واللبنانيين.
ولأسباب تتعلق بصعوبة ـ أو استحالة ـ الاعتراف بالشهادات الصادرة عن الجامعات العربية وأخرى تتعلق بعدم إتقان التفاهم باللغة الإنجليزية فقد أقبل القادمون الجدد على أعمال اضطرارية غريبة.. عجيبة.
سيدة عراقية افتتحت «مطبخا» ـ وليس مطعما حتى ـ لتلبية طلبات العائلات العربية «تيك اواي» تتعامل معها كما يفعل الكثيرون، تقف دائما في مساحة تسليم الطلبات الصغيرة، بينما يقف 3 ـ 4 رجال ونساء في «المطبخ» للمساعدة في التجهيز، أحدهم تبدو عليه علامات حزن عميق، تجاوز الستين بقليل، أشيب الشعر يرتدي نظارة طبية سميكة، تبدو على محياه أمارات الوقار، لا أعتقد أن الدموع التي تتلألأ في مقلتيه لها علاقة برائحة البصل التي تملأ المكان، سألت عنه فقالوا إنه كان يعمل أستاذا للفيزياء النووية بجامعة عراقية، وانتهى به الحال.. هنا.
.. على بعد كيلومترات قليلة وعلى الحدود بين ميسيساجا ومدينة اوكفيل افتتح رجل سوري مطعما متواضعا للشاورما توافد عليه العرب وغيرهم،.. عندما بدأ الرجل يجهز شطائرنا اقتربت منه وداعبته: «يا عم صحيح الشاورما حلوة.. بس شكلك مش معلم شاورما خاااالص».
نكأت جرحا.. وكنت أعلم أنني انكأه.. همس: أنا دكتور نزار.. أستاذ الشعر العربي بجامعة (...) بسورية، وليتني تخصصت في الـ «دونار ـ كباب» بدلا من الجاحظ والمتنبي والبحتري!!
وابتسم وهو يمازحني بلهجة شامية تدغدغ القلب ويشير إلى زاوية قريبة بها محل صغير مغلق قائلا: «خيو، كان فيك تشرب أحلى زهورات و«متّي» وسحلب شامي، بس هادا الزلمه يللي كان واقف هونيك ع الزاوية خاف من المعارضه لا يأوصوه لأنه كان عضو مجلس شعب ومحسوب ع نظام بشار، وحمل حاله وهرب».
.. قصص «مشردي الربيع» العربي تقطّع القلوب، وما حدث لبلادنا.. وعلمائنا وعقولنا لن يسامحنا التاريخ عليه.. ولنا فيها عبر وعظات.
وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.
twitter: @hossamfathy66
facebook: hossamfathy66
alanba email id
[email protected]