ايماننا هو ما يجعلنا لا نعترض على قضاء الله وقدره، وايماننا هو ما يجعلنا نتمسك بالدعاء لكل من تركنا وذهب الى جوار ربه.
بالامس القريب، رحل عنا العم خالد يوسف المرزوق، بكته الكويت وقبلها الخليج، بكته نساء ثكلى عشن في كنف خيره، بكته الاسر المتعففة التي ظلت لسنوات تحت ظل «خالد»، بكته حتى الارض التي رواها بكرمه، بشهامته، باسمه الذي تخلد حتى في حياته.
العم خالد المرزوق، انتقلت روحه الطاهرة الى بارئها، حيث أحبابها، وتركتنا بحزننا نتوارى.
خالد المرزوق، فارس ترجل، قلب تبجل لدى الامة، واسطورة كتبت بماء من ذهب، هو ارث الكويت، هو سور كل مدينة مر منها.
فمن رأى «خالدا»، لن يبكيه اياما، ولن يكتب مقالة رثاء ثم يشد الرحال، بل يبكيه العمر، فهو ملاذنا حين كنا ننشد الملاذ وهو الدرع حينما كنا نحتمي وهو الدفء في ليالي الشتاء.
عمي العزيز خالد المرزوق، أقسم ان القلب موجوع، والروح تحاول مجاراة آلامها، فالآلام على قدر محبتي فيك، وفي ذريتك من بعدك.
الحياة تفرق الاجساد، لكن القلوب تشابكت، فمن مر على قلبك، أحب استوطانه، فأنت بلاد بأسرها، وان للعزاء نهر لا ينضب، هم أبناؤك.
فمن اكثر منهم فروسية وشهامة وكرما ونبلا، كيف لا وكل منهم «خالد المرزوق».. لله ما أخذ ولله ما أعطى، أخذ ما وهب، وترك ارثا لخالد، سيخلد في أبنائه وأعماله.
اليوم ثقلت الامانة على فواز وبيبي ونواف ونوف والعنود ويوسف ومرزوق واخوتهم، فهم لن يمثلوا أنفسهم، بل أصبحوا «خالد»، ونعم ما ورثوه.
العم خالد، يد لا تعرف الضم ولا الضيم، مفتوحة بالكرم، ولو سألنا الارض كلها لوجدنا خالدا فيها، مر عليها فارسا.
خلال تشرفي بالعمل لدى العم خالد وأبنائه الكرام، كانت الدهشة ملتقى أيامي، فكلما قلت في قلبي هذا أكبر عمل قام به العم خالد، لكني وبعد حين أقسم ان العمل الذي تلاه في الخير أكبر.
حتى تعبت من المقارنة، فمن يعرف العم خالد يعلم جيدا أن الانهار الخالدة لا تنضب، وأنها لا تورث الا الحصاد والزرع.
أيام الغزو العراقي الغاشم، كان العم خالد بوابة العبور للكثيرين، كان ذلك الفارس الذي اشتد به ألم فراق الكويت، لكنه لم يترجل، ولم ينحن، بل أعطى ما أخجل من كانوا من حوله، وأقسم انه ما ادخر فلسا الا وأنفقه في حب الكويت، بل قدم أولاده.
العم خالد، هل الكــــلام يغني عن الفجــــيعة وألم الفراق، هل الاوراق تكفي لمسيرتك، لا والله.
ورغم الحزن، الا انني أتوق لمعرفة ما أخرج النهر طوال حياته الحافلة بالحب، فوالله لن يكون مجلد كافيا لتأريخ فارس قل نظيره في الخليج والوطن العربي، ولا ألف حكاية ستكفي.. بل ما أتمناه أن تكون حكاياه لاولادنا وأحفادنا وكل جيل سيمر على الكويت ضوءا يستمدون قوتهم منه.
ففي الكويت رجالات صنعوا تاريخا أبيض، ورجالات كانوا بمنزلة الانهار التي ما تزال تجري عبر أبنائها، ولعل العم خالد من الرجالات الذين صاغوا الوطن في كل عقد مر، وكل حقبة دارت رحاها بالخير.
أبناء العم خالد، لو قمت بألف حجة عن العم خالد ما أوفيته حقه ولا حقكم، ولو كتبت مليون مقال ما ساويت ذرة من عطاء العم خالد، ولكن ما يهون علي وعلى كل أهل الكويت أنكم فينا باقون، انكم ذخيرة خالد المرزوق الحية، انكم تلك الانهار التي تفرعت من نهر خالد، وانكم عزاؤنا في رحيل العم والاب خالد المرزوق.
والله ما أردت انهاء ما أكتب، وما أردت الا قول ما في القلب من حزن، واني على يقين أن ايمانكم بالله، هو الذي جعلكم تصبرون على هول المبتلى.
وما يهون الفاجعة هو أن العم خالد اليوم ذهب الى جوار ربه، جوار العزيز الرحيم الغفور العفو، فهناك داره التي شيدها بأعماله التي نعرف عنها القليل، لكن الكثير منها كان مخفيا، فما تعلم شمال العم خالد ما قدمت يمينه، وهو الارث الذي تركه في أبنائه، أبناء العم الخالد.
مدير تحرير «النهار»