كل منا يجنح إلى صاحبه وقريبه الذي يوافقه في الطباع والأفكار والمحبوبات، وهذه سنة الله عز وجل في خلقه، فقد استقرت حكمته أن يقع التناسب والتآلف بين الأشباه من خلقه والهروب من مخالفه، فالمثل إلى مثله مائل والضد عن ضده هارب وعنه نافر.
ولو تأملنا في واقعنا وحياتنا لوجدنا أننا نطمئن ونرتاح إلى أشخاص غرباء عنا وربما لأول مرة نقابلهم في حياتنا فنأنس بهم وأرواحنا تتآلف مع أرواحهم وكأنهم أصدقاء قدامى أو من الأقارب المقربين إلى قلوبنا، وفي المقابل هناك أشخاص نعيش معهم وأقارب وربما زملاء في العمل أو الدراسة لكن مشاعرنا اتجاههم باردة وأرواحنا معهم متنافرة.
وهذا أمر طبيعي ومعتاد بين البشر وهناك حديث نبوي شريف يفسر مشاعر التآلف والتنافر بين الأنام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف».
وقال الخطابي في شرح هذا الحديث: يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد، وأن الخير من الناس يحن إلى شكله، والشرير نظير ذلك يميل إلى نظيره، فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر، فإذا اتفقت تعارفت، وإذا اختلفت تناكرت.
ولكن هذا لا يعطينا الحق في أن نطلق العنان لأنفسنا في بغض الآخرين والفظاظة معهم، ولا أن نقسو على أنفسنا ونلزم أرواحنا بمحبتهم لكن الصحيح أن نمسك العصا من المنتصف فنتعامل معهم من منطلق الاحترام واللباقة والرقي وذلك للتعايش معهم بسلام ووئام.
وخاصة أن هناك أشخاصا في حياتنا لا نملك معهم خيار القطع في العلاقة وشطبهم من قاموس حياتنا كالزوج، المدير في العمل، الزميل في الدراسة أو حتى من ذوي الرحم، فلذلك الأجدر بنا أن نعطيهم ونعطي أنفسنا فرصة تقبل وجود كل منا في حياة الآخر بمشاعر معتدلة ونفوس راقية وعقول ناضجة، فلا نعاقبهم ونظهر لهم البغض والغلظة، فالآخرون غير مسؤولين عن إحساسنا تجاههم ولا ذنب لهم في ذلك.
ومن عظمة ديننا الحنيف وحكمته أن أباح النظرة الشرعية للخاطب قبل الزواج لما لها من أهمية كبرى في القبول أو الرفض ورسم الانطباع الأول عن شريك الحياة فكم من مشروع زواج رفض منذ البداية على الرغم من توافر صفات الزواج الناجع وذلك بسبب ان روحيهما لم تتآلفا مع بعضهما بعضا.
اللهم اجعل أرواحنا تآلف وتتآلف مع الصفوة الرحماء، واللهم لا تجعلنا وجعا لأحد.
@ebtisam_aloun