من المؤلم أن تستميت في بناء صرح من العلاقات الاجتماعية، وتمضي سنوات عمرك في حرث وغرس شجيرات من العلاقات الإنسانية، تربتها الاحترام وسيقانها التواصل وأوراقها الحب وثمارها الإخلاص، تدور السنون تلو السنين وأنت تسقيها من فيض مشاعرك ووقتك وجهدك وصحتك وعطائك، ترعاها وتداريها وترفع يديك تدعو لها بالسلامة والديمومة، وتنام تحت ظلالها قرير العين.
وفجأة ودون سابق إنذار تأتيك مكالمة صاعقة وصفعة قوية من أشخاص عشت زمانك تمجدهم وتكن لهم كل الحب والتقدير والاحترام، تتجاوز عن أخطائهم وتصفح عن زلاتهم بنية الحفاظ على تلك العلاقة، تتعامل معهم بكل رقي، ولكن أبت خفافيش الظلام إلا أن تنخر في تلك العلاقة، وأقسم أصحاب الوشاية والنكاية إلا أن ينهشوا بأنيابهم تلك الشجرة وينخر سوسهم في أعماقها.
صعقت من هول الصدمة وشلت أطرافي وانعقد لساني من وقع الكلمة، لا يهمني من تقول علي فما هؤلاء إلا جهال وسفهاء، لكن الذي يهمني ويحز في نفسي هو من صدقهم وحادثني معاتبا ومغاضبا يطلب مني الاعتذار لثلة السفهاء، لا يمكن بعد هذه السنين من العشرة والاحترام والثقة والكم الهائل من التضحيات والعطاءات ينطلي عليك هذا الافتراء المقيت والظلم المبين، وتحكم علي بالإعدام وتحملني وزر الاعتذار، هنا توقفت أنفاسي وصار جسدي يتقلب على فراش من الجمر، عزت علي نفسي وبات صرح العلاقة يتهاوى على رأسي، لم أعد أستوعب ما الذي يدور من حولي وصرت اتجرع مرارة المعاناة بكل ألوانها.
من المؤلم أن نربط سعادتنا بسعادة الآخرين...
من المؤلم أن ندفع فاتورة ظلم الآخرين وسوء ظنهم فينا وذلك من صحتنا وأوقاتنا وراحة بالنا...
من المؤلم أن يكون عطاؤنا مطلقا وثقتنا عمياء وحبنا مسترسلا...
من المؤلم ألا يكون هناك حد فاصل وواضح في كل علاقتنا...
ويح قلبي ما الذي فعلته بنفسي؟ لا لن اسمح لأحد بأن يخترق منطقتي الخاصة المحرمة، ومنذ هذه اللحظة سأرسم حدودا فاصلة واضحة لعلاقاتي وتعاملي مع الآخرين وان لم يكن سهلا، لا لن أخسر مرة أخرى احترامي لنفسي، ولن أدفع فاتورة أخطاء غيري وسوء ظن الآخرين بي، فمن المنطق أن استقل بمشاعري ومن أجل راحتي وصفاء ذهني ستكون مشاعري محايدة فالاتزان في المشاعر واستقلاليتها هو رأس الأمر وسنامه.
ebtisam_aloun@