خلقنا الله تعالى على وجه البسيطة لغاية سامية وهي العبادة وعمارة الأرض، حيث جعل الله الأرض سكنا للإنسان وسخر له الكائنات الحية والجمادات لخدمته، مثل التربة والماء والهواء والنباتات والحيوانات.. إلخ، وكل ما سبق ذكره يشكل البيئة المحيطة بنا، وقد جعل الله تعالى عناصر هذا النظام البيئي تتفاعل بعضها مع بعض بشكل متوازن وإيجابي لخدمة الإنسان، وهذا التفاعل المتوازن يخلق لنا بيئة سليمة ذات مكونات صحية تضمن بحول الله وقوته استمرارية الحياة على وجه البسيطة.
لكن تعديات الإنسان المستمرة على البيئة والنشاط البشري غير المسؤول هو السبب الرئيسي في حدوث ظاهرة التلوث، ومن أبرز أنواع التلوث هو التلوث البيئي حيث بات هذا التلوث يهدد حياة الإنسان ويدق ناقوس الخطر في حدوث مزيد من التلوثات، ما يترتب عليه عدم قدرة الإنسان على الاستمرار في العيش على كوكب الأرض.
ويتمثل التلوث البيئي بأشكال وصور متعددة منها تلوث الهواء بثاني أكسيد الكربون وعوادم السيارات والمصانع والغازات السامة، وكذلك هناك تلوث المياه بمخلفات المصانع وتسرب النفط وجثث الكائنات الحية النافقة ومياه الصرف الصحي، ولا يفوتنا تلوث التربة بالمواد الكيميائية والتصحر بسبب الزحف العمراني وموت كثير من الحيوانات التي كانت تعيش على تلك الأشجار وتتغذى عليها، علاوة على ذلك الضوضاء والتلوث الصوتي والذي يؤثر بدوره على صحة الإنسان النفسية والجسدية، وهناك الكثير من أشكال التلوث لا يتسع المقام لذكرها، ما يتطلب منا وقفة جادة وقرارات صارمة للحد من تفاقم هذه الظاهرة المقلقة والخطرة على حياة الكائنات وسلامة الجمادات.
وقد حثنا ديننا الإسلامي على المحافظة على البيئة وإماطة الأذى عن الطريق واعتبره شعبة من شعب الإيمان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إماطة الأذى عن الطريق صدقة» وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق»، ويبشرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بالأجر العظيم عند قيام الأفراد بالشراكة المجتمعية في المحافظة على البيئة.
وأنا أعتقد أن ثقافة «بيئة سليمة = بشرية سعيدة» هي ثقافة مجتمعية ومنهج سلوك يرتكز على بناء الفرد والمجتمع ابتداء من دور الأسرة مرورا بالمؤسسات التعليمية والتربوية، وصولا إلى مؤسسات صنع القرار والمؤسسات المعنية بالبيئة، وصون البيئة من التلوث مسؤولية مشتركة بين أفراد المجتمع تحتاج إلى توعية وغرس وممارسة منذ الصغر، وشحذ الرقابة الذاتية لدى الفرد، وكذلك تفعيل القوانين الصارمة ورصد المخالفات وتشديد العقوبات على كل من تسول له نفسه تدمير البيئة وانتهاك الطبيعة.
وواجبنا الإسلامي والإنساني يحتم علينا المحافظة على البيئة المحيطة بنا من خطر التلوث، وذلك بالمحافظة على نظافتنا الشخصية فليس من الإسلام والرقي الخروج أو حتى الجلوس في البيت بملابس قذرة وروائح كريهة، وللعيش في عالم جميل علينا بنظافة منازلنا والأماكن العامة والطرقات، فليس من الإسلام والرقي ترك مخلفات البناء على الأرصفة دون نقلها إلى الأماكن المخصصة، وليس من الإسلام والرقي البصق في الشوارع دون استخدام المناديل الورقية، وليس من الإسلام والرقي ألبتة رمي القاذورات وفضلات الطعام في المنتزهات بعد رحلة الاستجمام، بل من حمد النعمة وشكر المنعم على نعمه الجليلة إماطة الأذى عن المنتزهات والطرقات بوضع القاذورات في صناديق القمامة والتصدق بفائض الطعام النظيف والطيب لعمال النظافة المنتشرين في كل مكان لخدمتنا، وهناك سبل كثيرة للحفاظ على البيئة سواء على مستوى الدولة أو الفرد وهي إعادة تدوير النفايات وزيادة الغطاء النباتي والتقليل من استخدام السيارات واستبدالها بالمشي أواستخدام الدراجات الهوائية، وكذلك استخدام الأكياس الصديقة بدلا من الأكياس البلاستيك عند التسوق، علاوة على ذلك فرض المخالفات على المصانع والمؤسسات التي ترمي نفاياتها في البحر والبر.
ومن المهم تكاتف الجهود على المستوى الشخصي والمجتمعي والحكومي لتحقيق «بيئة سليمة = بشرية سعيدة».
ebtisam_aloun@