من سمات الشعوب الراقية والدول المتحضرة حفظ الأمانة وترشيد القيادة، وتسليم دفة السفينة لأشخاص مؤتمنين أكفاء وضعوا نصب أعينهم الصالح العام، لا يشغلهم رضا سين من الناس أو صاد، وضعوا معايير لجودة حياة المجتمع والارتقاء بالفرد والجماعة.
وقد ابتليت مجتمعاتنا في الوقت الحاضر بأعظم البلايا وهي وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب وتوسيد الأمر لغير أهله، فمن أخطر مؤشرات الفساد في المجتمعات أن يمسك بزمام الأمور أناس غير أكفاء ويركن الأشخاص الفضلاء والمؤهلون على ناصية الحياة، فما أحوج مجتمعاتنا الاسلامية إلى القوي الأمين، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» (رواه البخاري).
ومن واقع مرير ومشاهدات شائعة، نرى أن هذا المرض العضال قد استشرى في المجتمع ونخر في مفاصله، وكيف لا؟ وقد انتشرت المحسوبيات والواسطات وباتت المصالح الشخصية هي رأس الأمر وعموده وذروة سنامه، وصارت تدار الأمور بهذه الشاكلة وتحت مظلة «هذا ولدنا» و«إلا ولدنا» رغم قلة خبرته ومعرفته في إدارة الأمور وهو غير مؤهل لاعتلاء هذا المنصب إلا أنه يعين في أرقى المناصب وأخطر المواقع، والسبب من أجل خاطر عيون الطائفة الفلانية والقبيلة العلانية، ونخاف ينتقدنا الحزب الفلاني ونخسر مصالحنا مع صاحب السلطة العلانية!
ومن وسط هذا الهرج والمرج من إضاعة الأمانة تخيل معي كيف تدار مستشفيات من قبل أطباء غير أكفاء وكيف حال مؤسسات تعليمية تدار من قبل معلمين غير مؤهلين للتربية والتعليم فقط اعتلوا هذه المناصب من باب الواسطة و«حبة خشم».
وهنا تحبط الكفاءات والندرة من المسؤولين والشباب، ويضيع الحق، ويسود الظلم وينتشر الفساد، وقل على مجتمعاتنا السلام.
ولكن هل نصمت وندفن رؤوسنا كالنعام لا وألف لا، نحن مؤمنون بفردنة النهضة، ونقولها مرارا وتكرارا: النهضة تبدأ من دائرة الفرد وتتسع الدائرة لتشمل المجتمع، فالرسول صلى الله عليه وسلم اعتنى ببناء الفرد لسنوات طويلة ثم انطلق بتلك النوادر والنجوم اللامعة لنهضة الشعوب والأمم، ونحن على نهج الحبيب صلى الله عليه وسلم سائرون.
ebtisam_aloun@