كم نحتاج في مجتمعاتنا إلى النظام وتسوية الصفوف، فمن المزعج أن تذهب لتخليص معاملة في إحدى الدوائر الحكومية فتستيقظ في ذلك اليوم باكرا وتخرج من منزلك مسرعا لإنهاء معاملاتك في فترة وجيزة، فتصطدم بفوضوية الطريق وتجاوز الكثيرين لحقك بالمرور فبعد عناء ووقوف شاق في طابور طويل من المركبات وانتظار ممل، يأتيك سائق أرعن بكل برود ليخترق الصفوف وينتهك النظام ويأخذ دورك بكل أريحية وباللامبالاة بشخصك الكريم وانتظارك الطويل، وبعد أن يرتفع ضغطك وتنتابك موجة من الغضب، تصطدم بفوضوية أخرى من عملاء الدوائر والتى تذكرك بزحمة المقاصف المدرسية في زمن الطيبين، مشاهد مزعجة بتنا نشاهدها على مدار الساعة وبين أغلب الناس.
الفوضوية داء استشرى في مجتمعاتنا الإسلامية ونخر في قيمنا وموروثنا الديني والإنساني، وهي أمر مزعج وصفة ذميمة تسببت كثيرا في تأخر شعوبنا عن اللحاق بركب الحضارة، حيث يترتب على الفوضى عواقب وخيمة فهي تعطل المصالح، وتعصف بالأوقات وتستهلك الطاقات، وتمحق البركة وتهدر الأموال، ومن اشنع مساوئ الفوضى أنها تسلب الحقوق وتوغر الصدور فكم من فوضى أدت إلى مشادات كلامية ومشاجرات وفي بعض الأحيان تصل إلى ذروتها فتكون سبب في حدوث بعض الجرائم، وتنشط الفوضى في نشر الظلم بين الناس بسبب سلب الحقوق وتخطي الصفوف.
وعلى الرغم من أن الإسلام هو دين الترتيب والكمال والدقة، وأن خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى في الترتيب والقدوة الحسنة في الدقة والانضباط، إلا أن الشعوب الإسلامية ما زالت تعاني من هذه الآفة القبيحة. وتقتات على آثارها الشنيعة.
«الترتيب مريح... طبق واستريح» قاعدة لا بد أن ننشر بها وشعار لا بد أن ننقشه على مداخل ومخارج حياتنا، فكما للفوضوية عواقب وخيمة فإن للترتيب آثاره الحميدة، ولكي يصبح الترتيب عادة جميلة تعتد بها وقيمة جليلة تفخر بها وسلوك لا تستطيع الفكاك منه عليك بصدق الدعاء وإخلاص النية لله، وكذلك الفرار من الفوضويين والارتماء في أحضان المنظمين، ولا يفوتنا زيادة المعرفة عن محاسن الترتيب ومساوئ الفوضى، وأن تتعبد الله في مراعاة شعور الآخرين وعدم أذيتهم، ويساهم ترتيب الأولويات والوعي بأهمية النظام وحفظ الأوقات مساهمة كبيرة في أن تكون من عداد المنظمين، علاوة على ذلك طلب النصيحة والمشورة من الأمناء المخضرمين في الترتيب والنظام، وتأكد أن الرقي في التعامل والخلق الحسن والاحترام يعينك من بعد الله على الانتظام، ومن المهم أن تجعل اكتساب عادة الترتيب هدفا أساسيا من أهداف حياتك وبندا رئيسيا من بنود خطتك، وكل ما سبق ذكره كفيل بأن يجعلك تتظلل بظلال الترتيب وتلتحف بلحاف النظام وتنام قرير العين على فراش وثير من العدل والإنجاز وتقدير الذات.
ebtisam_aloun@