الكتابة عملية راقية تنتقل من خلالها للقراء أفكار الكاتب وما يدور في خاطره، ويعبّر الكاتب من خلالها عن مشاعره وانفعالاته وتجارب الحياة التي مر بها، وهي وسيلة للتواصل وأداة لنقل الثقافات بين الشعوب والأفكار بين الناس.
والكتابة عادة تبدأ بالفطرة وتصقل بالاطلاع والتدريب، وحتى يمتلك الكاتب أسلوبا جذابا، ويخلق تفاعلا وتناغما بينه وبين القارئ، ويترك بصمة في نفس القراء، لابد أن يكون الكاتب واسع الأفق وشغوفا بالقراءة، وملما بقواعد اللغة والإملاء، وأن يمتلك قاعدة كبيرة من المعلومات والتجارب والخبرات، علاوة على ذلك الأمانة في نقل المعلومة، والالتزام بالأخلاق والرقي في صياغة الجمل والعبارات، وتجنّب السبّ وقذف الآخرين بالكلمات الخادشة للحياء، وكل ما سبق كان ديدن الكتاب والمفكرين منذ القدم في الكتابة ونقل الأحداث والتعبير عن المواقف مما ترك لنا إرثا أدبيا وثقافيا تفخر به الأجيال تلو الأجيال.
ومما يندى له الجبين وتدمع له العين وضع الكتابة في وقتنا الحالي، حيث تعيش الكتابة أسوأ أحوالها، فقد باتت تئنّ من الضعف والوهن الذي أصابها، وتقوضت أركانها وتساقطت جدرانها بذنب الكتابات الركيكة والأفكار الساذجة، فكل من هب ودب نصب نفسه كاتبا وصار يصول ويجول في ساحاتها مدمرا لأجمل معانيها مشوها لأرقى معالمها.
اليوم في معرض الكتاب غرس أشباه الكتاب خناجر مسمومة في خاصرة الكتابة، حيث انتشرت على بعض الرفوف كتب يندى لها الجبين ويقطر منها القلب دما، مؤلفات لا تمت إلى الكتابة لا من قريب ولا من بعيد، كتابات لا تحمل فكرة ولا أسلوبا ناهيك عن لغتها الركيكة، مؤلفات تبرأت منها اللغة العربية والعامية وطلقتها بالثلاث، خذ على سبيل المثال لا الحصر هناك كتب تحمل بين طياتها أفكارا مسروقة، وأخرى تدعو إلى الجنس والتفسخ والعلاقات غير المشروعة «على عينك يا تاجر»، والأدهى والأمرّ كتب أخرى تحمل بين طياتها شركيات وتدعو إلى الكفر بالباطن.
من الواضح أن أشباه الكتاب اتخذوا من الكتابة معبرا للوصول إلى الشهرة والثراء، ومن الواضح أن الأضواء والسوشل ميديا سلبت عقولهم وعميت أبصارهم وضيعت مبادئهم وقيمهم وحادت بهم عن طريق الصواب وصار همهم الأكبر المال وتصفيق الجماهير وآلاف المتابعين.
تأكدوا يا من تدعون الكتابة أن كتابة الكلمة أمانة والأمانة تبرأت منها السماوات والأرض والجبال، فإن كان لديكم ما يفيد القارئ ويثري الساحة ويرتقي بمستوى الكاتب العربي تقدموا وأدلو بدلوكم «وهذا الميدان يا حميدان»، والمجال مفتوح أمام الأقلام الهادفة والكتاب المخضرمين لخدمة الكتابة وخلق جيل واع وقارئ من الطراز الأول، والأهم من هذا وذاك تطهير الساحة من دخلاء الكتابة والمتطفلين عليها.
ebtisam_aloun@