جعفر محمد
أزمات كثيرة ومعضلات كبيرة تعرض لها المجتمع في الكويت منذ عقود مضت، بعضها تم التعامل معها، وبعضها تضخمت بسبب التهاون والتراجع عن مواجهتها ومن تلك المشاكل التي أصبحت مزمنة لا حلول لها بتاتا تلك المعضلة الكبيرة التي يسميها السياسيون في الكويت الوحدة الوطنية. فلتركيبة الكويت السكانية ولموقعها الجغرافي ولخيراتها الطبيعية انعكاسات سلبية تفوق كل ما هو إيجابي فمنذ ما يقارب الـ 50 عاما طرأت هذه المشكلة وقد تجلت واضحة في عدة مناسبات أذكرها هنا بتسلسل حتى لا يضيع مني النسق فأشوش على القارئ: «قانون الجنسية، توزيع البيوت السكنية، المناصب الحكومية، الصحافة، شروط القبول في السلك العسكري والديبلوماسي، توزيع الدوائر الانتخابية بجميع أشكالها» من كل ما سبق هل لنا أن نطالب الشعب بأن يتمسك بوحدته الوطنية المزعومة؟ أم ماذا؟ فقانون الجنسية مشوه ومعيب وتعطيله زاده إعاقة، ونسفه أصبح ضرورة لأنه يفرق ولا يوحد، وتوزيع البيوت السكنية شاهد على التفرقة والبعد العائلي القبلي الطائفي، فجولة في الشامية تعرف فيها بيت صاحب الحظوة وصاحب البلوى وجولة أخرى في الدسمة أو الرميثية تليها جولة أخرى في الفيحاء أو النزهة لتخبرك الايديولوجية بما لا تعرفه عن فئوية تفوح رائحتها من تلك المناطق فهل في هذا وحدة وطنية؟ سأكتفي بإيراد تلك الأمثلة مع مرور سريع جدا على المناصب الحكومية المرتبطة بقانون الجنسية بالإضافة إلى اعتماد العائلة بدلا من الكفاءة والثقل، المقرب بدلا من الجهد المثمر، وصولا إلى من يمثلنا في الخارج كأن يكون شرطا لذلك إتقانه الأكل بالشوكة والسكين، فمن يأكل بيديه فكره خاو ويحرج البلد في التمثيل الخارجي.
والمناصب العسكرية محتكرة وإن شذ أحد عن القاعدة فهذا شذوذ أكبر يضاف إلى وحدتنا الوطنية المزعومة، أما طامة الطامات ومفرقة الجماعات وهادمة الوحدة الوطنية فهي الدوائر الانتخابية بجميع مقترحاتها وتجاربها، فهي شاهد على الفئوية الطائفية القبلية الطبقية النتنة التي لا يقبلها دين ولا إنسانية، إذن ماذا بقي لنا من وحدة سوى تلاحمنا من باب المواطنة لا أكثر والفضل فيها يرجع للفرد الكويتي لا للمؤسسات، فالدولة بذلت للفرقة قوانين ووضعت أعرافا تدل على الفرقة لا الوحدة، وإنما تجسد أهل الكويت بوحدتهم لطيب معدنهم وذكائهم، فتخيل معي عزيزي القارئ أن تجتمع في الشخص الكويتي ايديولوجيات عراقية المنشأ فارسية البعد بصفات الجزيرة العربية فتتكون خلايا جديدة بالاحترام بأصالة العرب وتقاليدهم وثقافة العراقيين وتمكنهم واعتقاد الفرس بمقدراتهم العقلية، هكذا نشأ الإنسان الكويتي ليكون نموذجا بين دول المنطقة يضرب في الحرية والمسؤولية والوحدة الوطنية أروع الأمثلة دون الحاجة لقوانين وحملات لذلك، فالدولة لم تكن يوما لتنمي هذا السلوك أبدا.
كلمة راس
إيليا أبو ماضي يصف لي ولكم اكتشافاته التي انعكست علينا ككويتيين في الأبيات التالية:
جئـــت لا أعــــلم مــــن أيــــن ولكــني أتيت
ولقد أبصرت قدامـــي طـــريــــقا فمشـــيت
وسأبقى ماشــيــا إن شئـــت هذــا أم أبـــيت
كيف جئت؟ كيف أبــصرت طريقي؟.... لست أدري