المبادئ هي الأسس والركائز الفكرية التي تصاغ منها القناعات الفكرية المؤسسة للمواقف العملية للأفراد والجماعات، والمبادئ والأهداف التي نرتضيها لأنفسنا ولمجتمعنا هي التي تشكل المعايير الموضوعية لتقييم ذواتنا ومساراتنا من حيث نسبة الإخفاق أو النجاح، فإذا أردنا كمجتمع نام أن نقيم وضعنا سلبا أو إيجابا يتعين علينا أن نعرضه على سلة المبادئ والأهداف التي قررناها وارتضيناها وتسالمنا عليها بمسمى الدستور.
وما يهمني تقييمه بعد هذه المقدمة وضع المواطنة الكويتية من حيث تمتعها بالرعاية السكنية في وطنها الكويت من خلال مبادئنا الدستورية، وينص الدستور في مادته السابعة على أن «العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين»، وفي المادة الثامنة من الدستور «تصون الدولة دعامات المجتمع وتكفل الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين» أي تصون العدل والحرية والمساواة تلك الدعامات المذكورة في المادة السابعة. وفي المادة 29 من الدستور «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية».
إذن الرعاية السكنية لكل من المواطن والمواطنة في الكويت حق يرتكز على مبادئ دستورية تعززها بعمق المبدئية الشرعية والعقائدية الإسلامية باعتبارنا مجتمعا إسلاميا ينص دستوره المدني في مادته الثانية على «دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع»، ولما كان قانون الرعاية السكنية 47/ 93 ينطوي على ثغرات تغفل تجسيد حق الرعاية السكنية لفئات من المواطنات على أرض الواقع جاءت المطالبات من هذه الفئات تساندها مؤسسات من المجتمع المدني منذ سنوات بإجراء تعديلات في قانون الرعاية السكنية المذكور ليتطابق مع مبادئ الدستور ومبادئ الشريعة في إنصاف المواطنة أسوة بالمواطن، وتحركت الجهود التشريعية في البرلمان لإحداث التغييرات لسد مواطن الخلل في القانون، ولكن في هذه المرة وخلافا للجهود التشريعية بالنسبة لمسودة قانون الحقوق الاجتماعية والمدنية الأخرى للمواطنة حيث خضعت لنظر ودراسة مؤسسات المجتمع المدني لتضع بصمتها الفاعلة وتعبر عن شراكتها الحقيقية في صناعة التشريعات المدنية عبر سنوات من الجهود المثمرة، فإن التعديلات الأخيرة في قانون الرعاية السكنية رقم 47/93 التي أقرها مجلس الأمة بأغلبية 46 نائبا ووزيرا في جلسة 29 ديسمبر الماضي، ولم تقدم مسودتها قبل إقرارها في المجلس ليستطلع رأي مؤسسات المجتمع المدني القريبة من معاناة المواطنين وهمومهم، ولا أدري لماذا أبعدت مسودة هذه التعديلات عن تفعيل مبدأ شراكة المجتمع المدني بالرغم من أن حق المسكن الآمن يفوق بقية الحقوق المدنية الأخرى ويتقدم عليها برغم أهميتها؟ لذا جاءت التعديلات غير معبرة ولا محققة لطموحات شرائح عديدة وعدد كبير من المواطنات في تحقيق الأمن السكني والاجتماعي. بعد ذلك دعا نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير الإسكان ووزير التنمية الشيخ أحمد الفهد لإشراك مؤسسات المجتمع المدني في وضع بصمتها على اللائحة التنفيذية للتعديلات التي تمت على قانون الرعاية السكنية، وهي خطوة جيدة تؤسس عمليا تحقيق مبدأ شراكة المجتمع المدني مع أجهزة الدولة التنفيذية، وقد تم فعلا لقاء مع ممثلات هذه المؤسسات بتاريخ 25 يناير 2011م، وجرى الاستماع لمقترحاتهن على قانون الرعاية السكنية وتعديلاته. أما ما نتيجة اللقاء وأثره في ترسيم مسودة التعديلات؟
فالجواب: لا شيء يذكر. وهو ما توقعناه مسبقا وإن ظل في الخاطر بصيص أمل على قاعدة خذ وطالب، فمؤسسات المجتمع المدني المهتمة بالأمر إن استطاعت أن تكيف بعض البنود بدرجة طفيفة فهي لا تستطيع فعلا أن تغير الواقع المفروض لهذه التعديلات التي لم تشارك في رسمها. وهذا ما وجدناه في مسودة اللائحة التنفيذية التي قدمتها اللجنة المعنية برسم اللائحة في اجتماعها الثاني مع مؤسسات المجتمع المدني صباح الأربعاء 9 الجاري، لم تغير ملاحظات ممثلات هذه المؤسسات في واقع تنفيذ هذه التعديلات أي شيء، ولم تضف لها أي شيء يستحق الذكر. لذا ارتأينا في تقريرنا الذي رفعناه عن الرابطة الوطنية للأمن الأسري (رواسي) ولجنة إنصاف المواطنة الكويتية (إنصاف) للجنة المعنية بتاريخ 25 يناير الماضي أن يكون متضمنا في معظمه المقترحات لتشريعات منصفة لجميع فئات المواطنات في حق الرعاية السكنية، ونعتقد أنه يستحق الدراسة لمشروع قانون تعديلات تشريعية أكثر إنصافا من الحالية ما يمكن أن تسعى إليه الحكومة ممثلة في وزارة الإسكان ووزيرها الطموح ذي الهمة العالية الشيخ أحمد الفهد، ومتى ما تمت هذه الخطوة وغذيت بشراكة المجتمع المدني في مرحلة التشريع فحينئذ نكون قد حققنا القانون الناضج في تحقيق الرعاية السكنية لجميع المواطنات بمختلف ظروفهن وفئاتهن، وأنجزنا المصداقية في انسجامنا مع مبادئنا الدستورية والشرعية الإسلامية.
[email protected]