لا شك أن ثورة 25 يناير في مصر برزت بعد ثورة تونس أيضا في يناير من هذا العام كظاهرة غير مسبوقة في العالم العربي الذي يعتبر من العالم الثالث المغلوب على أمره، واختلفت الأفهام والرؤى في مناشئ وأهداف هذه الثورة التي خطت طريقا ومنهجا جديدا لشعوب المنطقة.
قسم من المراقبين للأحداث والتحولات السياسية والاجتماعية يقدرون أن ما حدث لم تفاجأ به لا أميركا ولا حلفاؤها البارزون من الدول الغربية بل يرون أنها هي وراء اختلاق الأحداث وفقا لقرارها بتغيير قواعد اللعبة السياسية، ويقدمون الأدلة على ذلك بتقارير ووثائق غربية تسند رؤيتهم، والقسم الآخر من المنظرين والمتابعين على خلافهم يقدمون التحليلات الدقيقة والتفاصيل الوجيهة بالوقائع التي تثبت أن هذه الثورة قد تولدت من معاناة الشعب المصري وإرادة شبابه وشيبه بدون أي تدخل أجنبي وحققت أول ثمارها بإسقاط الرئيس السابق حسني مبارك ونظامه بعناية إلهية.
فيا ترى هل الرأيان متناقضان حتى نسأل أيهما هو الصحيح المطابق للواقع بحيث يلغي أحدهما الآخر؟ أم أنه إذا صح أحدهما يبقى الآخر قائما كاحتمال راجح؟ لا يغيب عن الساسة أن الدول ذات الأدوار الرئيسية في ملعب السياسة الدولي تستند في رؤاها وخططها وأهدافها على مراكز دراسات استيراتيجية تابعة لمصالحها وإرادتها، فتشخص لها التحولات النوعية والفرص والتهديدات في مناطق نفوذها، وما ينبغي وما لا ينبغي في هذه المرحلة وتلك الأخرى لتعزيز أهدافها السياسية والاقتصادية.
التقارير التي استند إليها أصحاب الرأي الأول تنبأت بتغييرات مستقبلية مستحقة في العديد من الدول العربية على أيدي شعوبها ناشئة من تراكم التجارب السلبية والوعي والمعاناة الطويلة، الأمر الذي تقرر على ضوئه استباق الأحداث بإثارتها والمراوحة في موقف وسطي إزاءها ثم التخلي عن الحليف كما تم بالنسبة للرئيس التونسي السابق والرئيس المصري وأخيرا محاولة تحوير الوقائع والنتائج بالصيغة التي تنسجم ومصالح وأهداف الدول المسيطرة. من يذهب إلى هذا الرأي لا أجده يختلف مع الثاني في أن الثورة بدأت بإرادة الشباب، ومن أغراهم بذلك «إن كان قد فعل» فقد فعلها مستبقا أحداثا رأى أنها حتما ستكون بإملاء الواقع المر، فتسريعها لا يغير من طبيعتها وحقيقتها شيئا، ورفع اليد عنها مرحليا حتى تتسنى قراءتها جيدا قبل تطويعها لا ينفي قانونية وفاعلية المدد الإلهي غير العادي الذي وحد قلوب الشباب والشعب على اختلاف طوائفه وحطم جدار الخوف وقدم الشهداء حتى تحقيق إسقاط النظام ورأس النظام. قال تعالى (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ـ الأنفال:63). ومع اعتبار الأسباب الموضوعية لنجاح الثورة المصرية، فإن المدد الإلهي الغيبي فيها واضحا لكل متدبر، (يد الله فوق أيديهم ـ الفتح: 10) (يد الله) تعبر عن الأسباب الغيبية و(فوق أيديهم) تعبر عن الأسباب البشرية. أما عن الغلبة في النهاية لمن ستكون، فحتما ستكون من نصيب الشعوب الحرة الواعية الأبية، مهما اشتد مكر المتسلطين، فهذا ما تعلمناه من سنن التاريخ، وقول الباري عز وجل (يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ـ الأنفال: 30).
[email protected]