الكثير من الدساتير الوطنية التي صدرت بعد عام 1948م اقتبست أحكامها العامة في تعيين حقوق المواطنين وتحديد مفاهيمها من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والدستور الكويتي في مقدمة هذه الدساتير التي تقر بحقوق المواطنة لجميع مواطنيها بلا تمييز، فتتصدر أصالة الحقوق معظم بنوده بصيغ محددة وواضحة.
ينص الدستور الكويتي في مادته السابعة على أن «العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين»، وفي المادة الثامنة: «تصون الدولة دعامات المجتمع وتكفل الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين»، وفي المادة 29 من الدستور «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية».
فالعدل والحرية والمساواة دعامات للحقوق على أساس المواطنة، ويفترض ان تعبر القوانين التي تنظم حياة المواطنين عن هذه الدعامات والمبادئ الدستورية وتترجمها بشكل حقيقي على أرض الواقع دون تمييز بين مواطن وآخر، ولا بين ذكر وأنثى.
ولكن للأسف فان بعض القوانين عندنا في الكويت تتنافى مع روح الدستور الكويتي ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي صادقت عليها وانضمت لها الكويت.
وقد رسخ هذا التنافي والتعارض بعناوين مثلا الحق السيادي للدولة وإجراؤه في مجال التجنيس بحيث يملك القوة الأعلى التي تقنن هتك الدستور في أهم دعاماته بخدش مبدئي العدل والمساواة وإلغاء حقوق أساسية للمواطنة، وتتصاعد الخطورة في التعدي العملي على المبادئ الدستورية بإكسابه القناعة الدينية حينما يكسى بثياب الشرعية الإسلامية اشتباها.
مثال ذلك تصور البعض منح المواطنة المتزوجة من غير كويتي جنسيتها لأبنائها أنه يتعارض مع قوامة زوجها غير الكويتي على أسرته، وهو تصور تجانبه الحقيقة الشرعية التي بينها فقهاء الشريعة المؤهلون للإفتاء من مختلف المدارس الفقهية الإسلامية، فقد بينوا أن منح جنسية الأم لأبنائها مسألة مدنية لا تتعارض مع قوامة الزوج والأب على زوجته وأسرته، وهو قرار تتخذه الأسرة بالاتفاق بين أفرادها بما يعزز مصالح الأبناء ومستقبلهم في وطن استقرارهم وعملهم وإنتاجهم.
وقد اتجهت العديد من الدول العربية والخليجية بقرار مدني يجيز للمواطنة عندهم أن تمنح جنسيتها لأبنائها من زوجها غير المواطن إذا كانت الأسرة مستقرة في بلد المواطنة.
وتتجلى صورة أخرى لعدم إنصاف المواطنة الكويتية المتزوجة من غير كويتي في حرمانها من حق السكن الآمن لها ولأبنائها بما ينافي مبدأ تكافؤ الفرص بينها وبين المواطن الكويتي الذي يمنح جنسيته لأبنائه من غير الكويتية ويوفر له ولهم المسكن اللائق. والأعجب من ذلك كله التصور من البعض أن منح المواطنة حق الأمن السكني يتعارض مع طابور الانتظار الذكوري للسكن لسنوات طويلة لكونه سيضاعف سنوات الانتظار. إن الحل يا سادة ليس بحرمان المواطنة من حقوقها المدنية التي يقرها الدستور لها كمواطنة، بل الحل كل الحل يكمن في تغيير السياسة التنموية المعطلة في جميع مجالات البلاد، ومكافحة الفساد بشكل فعلي صادق، بالإضافة إلى تحرير الأراضي في حل المشكلة الإسكانية.
[email protected]