الرعاية السكنية من أساسيات الأمن الأسري والاجتماعي، وفي مقدمة الحقوق التي يتعين على الدولة المدنية أن توفرها لجميع مواطنيها على أساس من العدل والإنصاف.
ولسبب واقع التخلف التنموي والنظمي والإداري الذي أصبحت تعيشه الكويت منذ عقود، فإن حق السكن اللائق لكل مواطن قد أصبح في مقدمة هذا التخلف الاستراتيجي في منظومة الحقوق الوطنية. هذا ورغم جهود العقول الاقتصادية المقتدرة والمتميزة من أبناء الوطن والتي لم تقصر في مبادرات تشخيص المشكلة وتقديم الحلول الجذرية لها، إلا أن هذه المبادرات الجادة والنافعة ما زالت تفتقر إلى رعاية من المسؤولين المعنيين سواء على مستوى التشريع أو على مستوى القرار والنظم والإدارة والتنفيذ. فهل يُعقل للشاب المتزوج وحديث الوظيفة أن يلتهم ايجار شقته أكثر من نصف راتبه؟ وإلى متى يستمر وضع الآخر الذي لا يتيح له راتبه إمكانية تأجير مسكن الزوجية، فيلوذ مع أسرته بمسكن أهله ليشاركهم بجزء منه؟ ولا يتمكن في دولة الرفاه من تحصيل سكنه الخاص إلا بعد أن يكون عياله قد أقبلوا على الزواج ودخلوا في دوامة فقدان المسكن قبل أن يستطيع أن يقدم لهم ما قدمه أبوه من الرعاية السكنية المؤقتة طويلة الأمد!
وفي هذا الوضع السكني الصعب على الأسر الشابة وعموم المواطنين المنتظرين للرعاية السكنية المستحقة، فإن الحال الأصعب فيه هو ما تعايشه المواطنة الكويتية التي تحكم الأولوية في استحقاقها لها ـ بمعايير مؤسسة الرعاية السكنية ـ ليس معيار المواطنة وإنما معيار الذكورة والأنوثة!
والشواهد على ذلك متعددة، وعلى سبيل المثال لا الحصر: وثيقة ملكية الأرض والقرض تصدر باسم الزوج والزوجة، ولكن استصدار الوثيقة منوطة بإرادة الزوج الذي قد يماطل في استصدارها، وفي بعض الحالات بعد أن تكون الزوجة قد ساهمت في تعمير المنزل يحصل الطلاق فتفقد حقها في البيت. كما أن المواطنة المتزوجة من غير كويتي والمستقرة وأسرتها في الكويت، لا يحق لها القرض من بنك الائتمان للسكن حتى لو كانت تملك ملاءة مالية لتسديد هذا القرض، ولا تُعطى إياه إلا إذا ترملت أو طُلقت!
وفي حال إعطائها هذا القرض فقد خُصص ابتداءً أن يكون للمواطنة 45 ألف دينار مقابل 70 ألفا للمواطن الرجل، وحينما قُررت الزيادة أصبح للمرأة 70 ألفا وللرجل 100 ألف، فهل سوق العقار ومواد البناء للمرأة غير سوق الرجل؟! ورغم هذا الإجحاف في حق المواطنة إلى الآن لم تستفد أي مواطنة من القرض المقرر لها منذ صدور قانون (2)/ 2011. بل إذا كانت تملك منزلا وهي متزوجة من غير كويتي يُجرّد أبناؤها الذين هم ورثتها الشرعيون من تملك منزلهم. إن الظلم الذي يلحق بالمواطنة المستقرة في موطنها الكويت بحرمانها من الرعاية السكنية التي تستحقها يفوق مظلومية المواطن في هذا الحق. فلكي لا يبقى الهدف الوطني من الرعاية السكنية من غير رعاية صادقة لابد من التحرك السريع على مستوى استحداث تشريعات منصفة لجميع المواطنين على أساس المواطنة فحسب، يواكبها التغيير الإيجابي في التنفيذ والآليات، معززةً بسياسات إسكانية ذكية في تحقيق أولوية الأمن السكني.
[email protected]