في السنة الشريفة حث على ذكر محاسن موتانا، فكيف إذا كان الميت أبا عطوفا لم تقتصر محبته على أبنائه، بل اتسعت لتشمل كل من يخالطه سواء في حياته الاجتماعية أو في مجال عمله.
لقد فجعنا ظهر الخميس منتصف شهر رجب الأصب بفقد والدي عبدالهادي حجي المحميد، بعد معاناة سنين من المرض سجلت لنا من سيرته الطيبة الصبر والامتناع عن الشكوى.
ما أهدف إليه من هذه السيرة هو ما يهمني أن يعرفه أبناء وطنه من حبه البالغ لهم بجميع أطيافهم ما يحسن أن يكون لهم قدوة في المحبة على أساس المواطنة الصادقة، وأيضا ليتعرف أبنائي وسائر حفدته على خصال جدهم الإيجابية مما يعينهم على صياغة شخصياتهم من خلال نموذج عملي عرفوه وأحبوه واقعا أخلاقيا مشهودا لهم.
لقد جسد الهوية المشرقة للمواطن الكويتي خارج بلده في السلك الديبلوماسي طوال 24 سنة، قنصلا منذ يناير 1963م، ثم سفيرا منذ 1977م في دول عربية وغير عربية.
حسن الخلق الذي تميز به كان يعيشه بأسلوب ديبلوماسي صادق في احترام الآخرين، فلم يكن سلوكا مهنيا تستلزمه طبيعة وظيفته فحسب، وإنما كان أسلوب حياة يتعاطى به مع أبنائه وبناته صغارا وكبارا.
لم يفرض علينا فكرا من قناعاته ولا موقفا، إذ كان ديموقراطيا بمعنى الكلمة في تربيتنا، مما أنشأنا على الحرية الحقيقية في القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، والتي كان يحترمها بحنانه الأبوي دون أن يقصر في توجيهاته.
بل لم يأمرنا أن نؤدي له طلبا أو خدمة إذ كان يشفق علينا من كلفته مهما كان بسيطا، فإذا كان محتاجا أن نعينه في شيء يطرح علينا رغبته بأسلوب السؤال قائلا- مثلا-: هل الشيء الفلاني موجود؟ فنفهم حاجته ونسرع لقضائها له بسعادة.
هذه لمحات من مشاهد أبوة رحيمه، أما ماذا عن السفير الكويتي عبدالهادي المحميد خارج بلده؟.. تشهد له وزارة الخارجية الكويتية تفانيه في خدمة مصالح الكويت، ويشهد له المواطنون الكويتيون المسافرون الذين يلجأون إلى سفارات بلدهم في حالات حاجاتهم إليها خارج الكويت، كان يترك راحته ويسعى لهم سعيا أبويا وأخويا جادا حتى تقضى حاجاتهم وتحل مشاكلهم.
ولقد شهدنا بأنفسنا كيف كان يتعامل مع أفراد السلك الديبلوماسي العربي وغير العرب وأسرهم وأهل البلد الذي يكون فيه بحالات أخلاقية عالية وحميمة عشناها معه وتعلمناها منه كما تعلمها هو من مربيه جدي لأمي أحمد يعقوب المحميد، إذ تكفله يتيما بعد وفاة أبيه بالرعاية والعناية والاهتمام.
إنه أهم وأروع ما ورثناه عن جدي وأبي، ويهمني أن يرثه أبنائي وبناتي والأحفاد وهو حب الإنسان بما هو إنسان بغض النظر عن دينه وهويته، واحترام إرادته، وخدمته والعناية بحاجته بما يعيننا الله عليه من إمكان وقدره.
إنها رسالة سفير المحبة والعطاء المرحوم عبد الهادي حجي محمد المحميد لأبنائه وأهله ومواطنيه.
فنم قرير العين يا والدي الحبيب في جنان الله وواسع رحمته، لقد وصلت الرسالة، وقرأتها عقولنا وصدقت بها قلوبنا، حيث زرعتها فينا بعمق وصدق.
[email protected]